الرد على القائلين بمشروعية التقليد
استنادا إلى قول إني لأستحيي من الله أن أخالف عمر: . أبا بكر
الوجه السادس والثلاثون: قولهم: إن قال في الكلالة: إني لأستحيي من الله أن أخالف عمر وهذا تقليد منه له. فجوابه من خمسة أوجه: أبا بكر،
أحدها: أنهم اختصروا الحديث، وحذفوا منه ما يبطل استدلالهم، ونحن نذكره بتمامه.
قال عن شعبة عن عاصم الأحول، أن الشعبي: قال في الكلالة: أقضي فيها برأيي، فإن يكن صوابا، فمن الله، وإن يكن خطأ، فمني ومن الشيطان، والله منه بريء، هو ما دون الولد والوالد. أبا بكر
[ ص: 309 ] فقال إني لأستحيي من الله أن أخالف عمر بن الخطاب: . أبا بكر
فاستحيا من مخالفة عمر في اعترافه بجواز الخطأ عليه، وأنه ليس كلامه كله صوابا مأمونا عليه الخطأ. أبي بكر
ويدل على ذلك أن أقر عند موته أنه لم يقض في الكلالة بشيء، وقد اعترف أنه لم يفهمها. عمر بن الخطاب
الوجه الثاني: أن خلاف عمر أشهر من أن يذكر ; كما خالفه في سبي أهل الردة، فسباهم لأبي بكر وخالفه أبو بكر، وبلغ خلافه إلى أن ردهن حرائر إلى أهلهن إلا من ولدت لسيدها منهن، ونقض حكمه، ومن جملتهن عمر، خولة الحنفية أم محمد بن علي، فأين هذا من فعل المقلدين لمتبوعهم؟
وخالفه في أرض العنوة، فقسمها ووقفها أبو بكر، عمر.
وخالفه في المفاضلة في العطاء، فرأى التسوية، ورأى أبو بكر المفاضلة. عمر
ومن ذلك مخالفته له في الاستخلاف، وصرح بذلك فقال: إن أستخلف فقد استخلف وإن لم أستخلف، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- - لم يستخلف. أبو بكر،
قال فوالله ! ما هو إلا أن ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعلمت أنه لا يعدل برسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدا، وأنه غير مستخلف . ابن عمر:
فهكذا يفعل أهل العلم حين يتعارض عندهم سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقول غيره، لا يعدلون بالسنة شيئا سواها، لا كما يصرح به المقلدون صراحا.
وخلافه له في الجد والإخوة معلوم أيضا.
الثالث: أنه لو قدر تقليد عمر في كل ما قاله، لم يكن في ذلك مستراح لمقلدي من هو بعد الصحابة والتابعين، ممن لا يداني الصحابة، ولا يقارنهم، فإن كان كما زعمتم لكم أسوة بعمر، فقلدوا أبا بكر، واتركوا تقليد غيره، والله ورسوله وجميع عباده يحمدونكم على هذا التقليد، ما لا يحمدونكم على تقليد غير أبي بكر . لأبي بكر
[ ص: 310 ] الرابع: أن المقلدين لأئمتهم لم يستحيوا مما استحيا منه لأنهم يخالفون عمر; أبا بكر معه، ولا يستحيون من ذلك، لقول من قلدوه من الأئمة . وعمر
بل قد صرح بعض غلاتهم في بعض الكتب الأصولية أنه لا يجوز تقليد أبي بكر ويجب تقليد وعمر، الشافعي.
فيا لله العجب!! ما الذي أوجب تقليد وحرم عليكم تقليد الشافعي، أبي بكر وعمر؟!
ونحن نشهد الله، شهادة نسأل عنها يوم نلقاه، أنه إذا صح عن الخليفتين الراشدين اللذين أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باتباعهما، والاقتداء بهما، قول، وأطبق أهل الأرض على خلافه، لم نلتفت إلى أحد منهم.
ونحمد الله أن عافانا مما ابتلى به من حرم تقليدهما، وأوجب تقليد متبوعه من الأئمة.
وبالجملة: فلو صح تقليد عمر لم يكن في ذلك راحة لمقلدي من لم يأمر الله ولا رسوله بتقليده، ولا جعله عيارا على كتابه وسنة نبيه، ولا هو جعل نفسه كذلك. لأبي بكر،
الخامس: أن غاية هذا أن يكون قد قلد عمر في مسألة . أبا بكر
فهل في هذا دليل على جواز اتخاذ أقوال رجل بعينه بمنزلة نصوص الشارع، لا يلتفت إلى أقوال من سواه، بل ولا إلى نصوص الشارع، إلا إذا وافقت أقواله؟
فهذا - والله - هو الذي أجمعت الأمة على أنه محرم في دين الله، ولم يظهر في الأمة إلا بعد انقراض القرون الفاضلة .
الوجه السابع والثلاثون: قولهم: إن قال عمر رأينا لرأيك تبع، [ ص: 311 ] فالظاهر أن المحتج بهذا، سمع الناس يقولون كلمة تكفي العاقل، فاقتصر من الحديث على هذه الكلمة، واكتفى بها، والحديث من أعظم الأشياء إبطالا لقوله. لأبي بكر:
ففي "صحيح عن البخاري" قال: جاء وفد بزاحة من "أسد" و"غطفان" إلى طارق بن شهاب، يسألون الصلح، فخيرهم بين الحرب المجلية، والسلم المخزية . أبي بكر،
فقالوا: هذه المجلية قد عرفناها، فما المخزية؟
قال: ننزع منكم الحلقة والكراع، ونغنم ما أصبنا لكم، وتردون لنا ما أصبتم منا، وتدون لنا قتلانا، ويكون قتلاكم في النار، وتتركون أقواما يتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة رسوله والمهاجرين أمرا يعذرونكم به.
فعرض ما قال على القوم، فقام أبو بكر فقال: قد رأيت رأيا، وسنشير عليك. عمر بن الخطاب
أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية، فنعم ما ذكرت .
وأما ما ذكرت: يدون قتلانا، ويكون قتلاكم في النار; فإن قتلانا قاتلت فقتلت على أمر الله، أجورها على الله، ليس لها ديات، فتتابع القوم على ما قال فهذا هو الحديث الذي في بعض ألفاظه: قد رأيت رأيا، ورأينا لرأيك تبع. فأي مستراح في هذه الفرقة التقليد ؟ عمر.
الوجه الثامن والثلاثون: قولهم إن كان يأخذ بقول ابن مسعود فخلاف عمر، لهم أشهر من أن يتكلف إيراده، وإنما كان يوافقه كما يوافق العالم العالم. وحتى لو أخذ بقوله تقليدا، فإنما ذلك في نحو أربع مسائل نعدها، أو [ ص: 312 ] كان من عماله، وكان ابن مسعود أمير المؤمنين، وأما مخالفته، ففي نحو مائة مسألة . عمر
منها: أن صح عنه أن أم الولد تعتق من نصيب ولدها. ابن مسعود
ومنها: أنه كان يطبق في الصلاة إلى أن مات، وعمر كان يضع يديه على ركبتيه.
ومنها: أن كان يقول في "الحرام" هي يمين، ابن مسعود يقول: طلقة واحدة. وعمر
ومنها: أن كان يحرم نكاح الزانية على الزاني أبدا، ابن مسعود كان يتوبهما، وينكح أحدهما الآخر. وعمر
ومنها: أن كان يرى بيع الأمة طلاقها، ابن مسعود يقول: لا تطلق بذلك. إلى قضايا كثيرة. وعمر
والعجب أن المحتجين بهذا، لا يرون تقليد ولا تقليد ابن مسعود، وتقليد عمر. مالك، وأبي حنيفة، أحب إليهم وآثر عندهم. والشافعي
ثم كيف ينسب إلى تقليد الرجال وهو يقول: لقد علم أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أني أعلمهم بكتاب الله! ولو أعلم أن أحدا أعلم مني، لرحلت إليه. ابن مسعود
قال شقيق: فجلت في حلقة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فما سمعت أحدا يرد ذلك.
وكان يقول: والذي لا إله إلا هو! ما من كتاب الله سورة إلا أنا أعلم حيث نزلت، وما من آية إلا أنا أعلم فيما أنزلت، ولو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني، تبلغه الإبل، لركبت إليه .
وقال كنا جئنا، وما نرى أبو موسى الأشعري: وأمه إلا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم- ; من كثرة دخولهم ولزومهم له. ابن مسعود
[ ص: 313 ] وقال وقد قام أبو مسعود البدري ما أعلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك بعده أعلم بما أنزل الله من هذا القائم. عبد الله بن مسعود:
فقال لقد كان يشهد إذا ما غبنا، ويؤذن له إذا حجبنا . أبو موسى:
وكتب إلى عمر أهل الكوفة: إني بعثت إليكم أميرا، عمارا وعبد الله معلما ووزيرا، وهما من النجباء، من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم- من أهل بدر، فخذوا عنهما، واقتدوا بهما، فإني آثرتكم بعبد الله على نفسي.
وقد صح عن أنه استفتى ابن عمر: في "البتة" ، وأخذ بقوله، ولم يكن ذلك تقليدا له، بل لما سمع قوله فيها تبين له أنه الصواب. ابن مسعود
فهذا هو الذي كان يأخذ به الصحابة من أقوال بعضهم بعضا.
وقد صح عن أنه قال: "اغد عالما، أو متعلما، ولا تكونن إمعة"، فأخرج الإمعة - وهو المقلد - من زمرة العلماء والمتعلمين. ابن مسعود:
وهو كما قال - رضي الله عنه -، فإنه لا مع العلماء، ولا مع المتعلمين للعلم والحجة كما هو معروف ظاهر لمن تأمله.
الوجه التاسع والثلاثون: قولهم: إن عبد الله كان يدع قوله لقول عمر، كان يدع قوله لقول وأبو موسى علي، وزيد كان يدع قوله لقول أبي بن كعب.
فجوابه: أنهم لم يكونوا يدعون ما يعرفون من السنة تقليدا لهؤلاء الثلاثة، كما يفعله فرقة التقليد.
بل من تأمل سيرة القوم، رأى أنهم كانوا إذا ظهرت لهم السنة، لم يكونوا يدعونها لقول أحد، كائنا من كان.
وكان يدع قول ابن عمر إذا ظهرت له السنة، عمر ينكر على من يعارض ما بلغه من السنة بقوله: قال وابن عباس أبو بكر، ويقول: يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وتقولون: قال وعمر. أبو بكر وعمر؟!
[ ص: 314 ] فرحم الله ورضي عنه، فوالله! لو شاهد خلفنا هؤلاء الذين إذا قيل لهم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، قالوا: قال فلان وفلان، لمن لا يداني الصحابة، ولا قريبا من قريب، وإنما كان يدعون أقوالهم لأقوال هؤلاء; لأنهم يقولون القول، ويقول هؤلاء، فيكون الدليل معهم، فيرجعون إليهم، ويدعون أقوالهم، كما يفعل أهل العلم الذين هو أحب إليهم مما سواه . ابن عباس،
وهذا عكس طريقة فرقة أهل التقليد من كل وجه، وهذا هو الجواب عن قول مسروق: ما كنت أدع قول ابن مسعود لقول أحد من الناس.
الوجه الأربعون: قولهم: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: فاتبعوه" معاذ، . "قد سن لكم
فعجبا لمحتج بهذا على تقليد الرجال في دين الله ; وهل صار ما سنه سنة إلا معاذ ؟ كما صار الأذان سنة بقوله صلى الله عليه وسلم- وإقراره وشرعه، لا بمجرد المنام؟ بقوله صلى الله عليه وسلم-: "فاتبعوه"
فإن قيل: فما معنى الحديث؟
قيل: معناه: أن فعل فعلا جعله الله لكم سنة; وإنما صار سنة لنا، حين أمر به النبي صلى الله عليه وسلم-، لا لأن معاذا فعله فقط . معاذا
وقد صح عن أنه قال: كيف تصنعون بثلاث؟ 1- دنيا تقطع أعناقكم 2- وزلة عالم. 3- وجدال منافق بالقرآن. معاذ
فأما العالم، فإن اهتدى، فلا تقلدوه دينكم، وإن افتتن، فلا تقطعوا منه إياسكم; فإن المؤمن يفتتن به، ثم يتوب.
وأما القرآن، فإن له منارا كمنار الطريق، لا يخفى على أحد، فما علمتم منه، فلا تسألوا عنه أحدا، وما لم تعلموه، فكلوه إلى عالمه.
وأما الدنيا، فمن جعل الله غناه في قلبه، فقد أفلح، ومن لا، فليست بنافعته دنياه .
فصدع - رضي الله عنه - بالحق، ونهى عن التقليد في كل شيء، وأمر باتباع [ ص: 315 ] ظاهر القرآن، وألا يبالي بمن خالف فيه، وأمر بالتوقف فيما أشكل. وهذا كله خلاف طريقة المقلدين، وبالله التوفيق .
الوجه الحادي والأربعون: قولكم عن الله سبحانه: أمر بطاعة أولي الأمر، وهم العلماء، وطاعتهم تقليدهم فيما يفتون به.
فجوابه: أن أولي الأمر قد قيل: هم الأمراء، وقيل: هم العلماء. وهما روايتان عن الإمام أحمد.
والتحقيق: أن الآية تتناول الطائفتين، وطاعتهم من طاعة الرسول.
لكن خفي على المقلدين أنهم إنما يطاعون في طاعة الله، إذا أمروا بأمر الله ورسوله، فكان العلماء مبلغين لأمر الرسول، والأمراء منفذين له، فحينئذ تجب طاعتهم تبعا لطاعة الله ورسوله.
فأين في الآية تقديم آراء الرجال على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وإيثار التقليد عليها.
الوجه الثاني والأربعون: أن هذه الآية من أكبر الحجج عليهم، وأعظمها إبطالا للتقليد، وذلك من وجوه :
أحدها: الأمر بطاعة الله التي هي امتثال أمره واجتناب نهيه.
الثاني: ، ولا يكون العبد مطيعا لله ورسوله حتى يكون عالما بأمر الله. طاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-
ومن أقر على نفسه بأنه ليس من أهل العلم بأوامر الله ورسوله، وإنما هو مقلد فيها لأهل العلم، لم يمكنه تحقيق طاعة الله ورسوله البتة.
الثالث: أن أولي الأمر قد نهوا عن تقليدهم، كما صح ذلك عن معاذ بن جبل، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وغيرهم من الصحابة، وذكرناه نصا عن الأئمة الأربعة وغيرهم. وعبد الله بن عباس،
وحينئذ فطاعتهم في ذلك إن كانت واجبة، بطل التقليد، وإن لم تكن واجبة، بطل الاستدلال.
[ ص: 316 ] الرابع: أنه سبحانه قال في الآية نفسها: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ، وهذا صريح في والمنع من رد المتنازع فيه إلى رأي، أو مذهب، أو تقليد. إبطال التقليد،
فإن قيل: فما هي طاعتهم المختصة بهم؟ إذ لو كانوا إنما يطاعون فيما يخبرون به عن الله ورسوله، كانت الطاعة لله ورسوله لا لهم.
قيل: وهذا هو الحق، وطاعتهم إنما هي تبع لا استقلال، ولهذا قرنها بطاعة الرسول، ولم يعد العامل.
وأفرد طاعة الرسول، وأعاد العامل; لئلا يتوهم أنه إنما يطاع تبعا، كما يطاع أولو الأمر تبعا، وليس كذلك.
بل طاعته واجبة استقلالا، كان ما أمر به ونهى عنه في القرآن، أو لم يكن .
الوجه الثالث والأربعون: قولهم: إن الله سبحانه وتعالى أثنى على السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وتقليدهم هو اتباعهم بإحسان، فما أصدق المقدمة الأولى، وما أكذب الثانية!
بل الآية من أعظم الأدلة ردا على فرقة التقليد; فإن اتباعهم هو سلوك سبيلهم ومنهاجهم، وقد نهوا عن التقليد، وكون الرجل إمعة، وأخبروا أنه ليس من أهل البصيرة .
ولم يكن فيهم - ولله الحمد - رجل واحد على مذهب هؤلاء المقلدين .
وقد أعاذهم الله وعافاهم، مما ابتلى [به] من يرد النصوص لآراء الرجال وتقليدها، فهذا ضد متابعتهم، وهو نفس مخالفتهم.
فالتابعون لهم بإحسان حقا، هم أولو العلم والبصائر، الذين لا يقدمون على كتاب الله وسنة رسوله، رأيا، ولا قياسا، ولا معقولا، ولا قول أحد من العالمين، ولا يجعلون مذهب أحد عيارا على القرآن والسنن، فهؤلاء أتباعهم حقا، جعلنا الله منهم بفضله ورحمته .
[ ص: 317 ] يوضحه الوجه الرابع والأربعون: أن أتباعهم لو كانوا هم المقلدين الذين هم مقرون على أنفسهم، وجميع أهل العلم، أنهم ليسوا من أولي العلم، لكان سادات العلماء الدائرين مع الحجة ليسوا من أتباعهم، والجهال أسعد باتباعهم منهم، وهذا عين المحال، بل من خالف واحدا منهم للحجة، فهو المتبع له، دون من أخذ قوله بغير حجة، وهكذا القول في اتباع الأئمة - رضي الله عنهم -.
معاذ الله أن يكونوا هم المقلدين لهم الذين ينزلون آراءهم منزلة النصوص، بل يتركون لها النصوص، فهؤلاء ليسوا من أتباعهم.
وإنما أتباعهم من كان على طريقهم، واقتفى منهاجهم.
ولقد أنكر بعض المقلدين على شيخ الإسلام [ابن تيمية] في تدريسه بمدرسة ابن الحنبلي، وهي وقف على الحنابلة، والمجتهد ليس منهم.
فقال: إنما أتناول ما أتناوله منها على معرفتي بمذهب لا على تقليدي له. أحمد،
ومن المحال أن يكون هؤلاء المتأخرون على مذهب الأئمة دون أصحابهم الذين لم يكونوا يقلدونهم.
فأتبع الناس لـ : "مالك" وطبقته، ممن يحكم بالحجة، وينقاد للدليل أين كان. ابن وهب
وكذلك أبو يوسف ومحمد، أتبع من المقلدين له مع مخالفتهما له. لأبي حنيفة
كذلك البخاري، ومسلم، وأبو داود، والأثرم، وهذه الطبقة من أصحاب أتبع من المقلدين المحض في المنتسبين إليه. أحمد،
وعلى هذا فالوقف على أتباع الأئمة أهل الحجة والعلم أحق به من المقلدين في نفس الأمر.
الوجه الخامس والأربعون: قولهم: يكفي في صحة التقليد الحديث المشهور: ، جوابه من وجوه : "أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم"
[ ص: 318 ] أحدها: أن هذا الحديث قد روي من طريق عن الأعمش، أبي سفيان، عن ومن حديث جابر، عن سعيد بن المسيب، ومن طريق ابن عمر، حمزة الحريري، عن عن نافع، لا يثبت شيء منها. ابن عمر،
قال ثنا ابن عبد البر: محمد بن إبراهيم بن سعيد: أن أبا عبد الله بن مفرج حدثهم، ثنا محمد بن أيوب الصموت، قال: قال لنا وأما ما يروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: البزار: ، فهذا الكلام لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم- . "أصحابي كالنجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم"
الثاني: أن يقال لهؤلاء المقلدين: فكيف استجزتم ترك تقليد النجوم التي يهتدى بها، وقلدتم من هو دونهم بمراتب كثيرة؟
فكان تقليد مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، آثر عندكم من تقليد وأحمد، أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي.
فما دل عليه الحديث خالفتموه صريحا، واستدللتم به على تقليد من لم يتعرض له بوجه.
الثالث: أن هذا يوجب عليكم تقليد من ورث الجد مع الإخوة منهم، ومن أسقط الإخوة به معا، وتقليد من قال: الحرام يمين، ومن قال: هو طلاق، وتقليد من حرم الجمع بين الأختين بملك اليمين، ومن أباحه.
وتقليد من جوز للصائم أكل البرد، ومن منع منه، وتقليد من قال: تعتد المتوفى عنها [زوجها] بأقصى الأجلين، ومن قال بوضع الحمل.
وتقليد من قال: يحرم على المحرم استدامة الطيب، وتقليد من أباحه. وتقليد من جوز بيع الدرهم بدرهمين، وتقليد من حرمه.
وتقليد من أوجب الغسل من الإكسال، وتقليد من أسقطه.
[ ص: 319 ] وتقليد من ورث ذوي الأرحام، ومن أسقطهم.
وتقليد من رأى التحريم برضاع الكبير، ومن لم يره.
وتقليد من منع تيمم الجنب، ومن أوجبه.