فإن التعاون نوعان : [ ص: 70 ] الأول : تعاون على البر والتقوى ، من الجهاد وإقامة الحدود ، واستيفاء الحقوق وإعطاء المستحقين ، فهذا مما أمر الله به ورسوله ، ومن أمسك عنه خشية أن يكون من أعوان الظلمة ، فقد ترك فرضا على الأعيان ، أو على الكفاية متوهما أنه متورع ، وما أكثر ما يشتبه الجبن والفشل بالورع ، إذ كل منهما كف وإمساك . ولا يحل للرجل أن يكون عونا على ظلم
والثاني : تعاون على الإثم والعدوان ، كالإعانة على دم معصوم ، أو أخذ مال معصوم ، أو ضرب من لا يستحق الضرب ، ونحو ذلك ، فهذا الذي حرمه الله ورسوله .
نعم إذا كانت الأموال قد أخذت بغير حق ، وقد تعذر ردها إلى أصحابها ، ككثير من الأموال السلطانية ، فالإعانة على صرف هذه الأموال في مصالح المسلمين كسداد الثغور ونفقة المقاتلة ونحو ذلك ، من الإعانة على البر والتقوى ، إذ الواجب على السلطان في هذه الأموال - إذا لم يمكن معرفة أصحابها ردها عليهم ، ولا على ورثتهم - أن يصرفها - مع التوبة ، إن كان هو الظالم - إلى مصالح المسلمين هذا هو قول جمهور العلماء ، ، كمالك ، وأبي حنيفة ، وهو منقول عن غير واحد من الصحابة ، وعلى ذلك دلت الأدلة الشرعية ، كما هو منصوص في موضع آخر . [ ص: 71 ] وأحمد
وإن كان غيره قد أخذه ، فعليه هو أن يفعل بها ذلك ، وكذلك لو امتنع السلطان من ردها ، كانت الإعانة على إنفاقها في مصالح أصحابها ، أولى من تركها بيد من يضيعها على أصحابها ، وعلى المسلمين . فإن مدار الشريعة على قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } وهي مبينة لقوله : { اتقوا الله حق تقاته } ، وعلى قول النبي صلى الله عليه وسلم : { } أخرجاه في الصحيحين . إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
وعلى أن الواجب تحصيل المصالح وتكميلها ، وتبطيل المفاسد وتقليلها ، فإذا تعارضت كان تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين مع احتمال أدناها ، هو المشروع .
والمعين على الإثم والعدوان ، من أعان الظالم على ظلمه ، أما من أعان المظلوم على تخفيف الظلم عنه ، أو على المظلمة ، فهو وكيل المظلوم ، لا وكيل الظالم ، بمنزلة الذي يقرضه ، أو الذي يتوكل في حمل المال له إلى الظالم ، مثال ذلك ولي اليتيم والوقف ، إذا طلب ظالم منه مالا فاجتهد في دفع ذلك بمال أقل منه إليه - أو إلى غيره بعد الاجتهاد التام في الدفع ، فهو محسن ، وما على المحسنين من سبيل .
وكذلك وكيل المالك من المتأدبين والكتاب وغيرهم ، الذي توكل لهم في العقد والقبض ، ودفع ما يطلب منهم لا يتوكل للظالمين في الأخذ . [ ص: 72 ] كذلك لو وضعت مظلمة على أهل قرية أو درب أو سوق أو مدينة .
فتوسط رجل محسن في الدفع عنهم بغاية الإمكان وقسطها بينهم على قدر طاقتهم ، من غير محاباة لنفسه ولا لغيره ، ولا ارتشاء توكل لهم في الدفع عنهم والإعطاء ، كان محسنا .
لكن الغالب ، أن من يدخل في ذلك يكون وكيل الظالمين محابيا مرتشيا مخفرا لمن يريد ، وآخذا ممن يريد ، وهذا من أكبر الظلمة ، الذين يحشرون في توابيت من نار ، هم وأعوانهم وأشباههم ، ثم يقذفون النار .