فصل [فيمن فقد الماء ومن في حكمه]
قول الله -عز وجل-: فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا [النساء: 43] يتضمن وهذا يتوجه على من يقدر على استعمال الماء ويرجو بطلبه وجوده، فأما من كان لا يقدر على استعمال الماء لمرض أو كان مجدورا أو محصوبا ، أو هو صحيح يخاف على نفسه متى استعمله، أو كان بمخافة يعلم أنه لا ماء بها، فالطلب عنه ساقط; وكثير من المواضع يعلم أنه لا ماء بها وأن الماء بأماكن معلومة لا يطلب إلا بها. طلب الماء ومنع التيمم إلا بعد الطلب وإعوازه.
وإن كان ممن يقدر على استعمال الماء، وبمكان يشك به الماء أو طلبه فيما [ ص: 184 ] قرب وعلى صفة لا يدركه فيها مشقة- فإن الدين يسر، وليس طلب من كان نازلا في منهل كمن هو على ظهر يخاف مفارقة أصحابه، وليس الشيخ كالشاب ولا المرأة كالرجل، ولكل واحد منهم ما يطيقه من غير مشقة.
وإن كان في موضع لا ماء فيه وهو في رفقة معهم الماء، فإن كانوا ممن يمنعون من سألهم لبعدهم عن الماء الذي أمامهم، جاز له التيمم من غير سؤال لهم، وهو قول مالك في " العتبية" . وإن كان يرجوهم إذا سألهم كان عليه أن يسألهم، فإن كانوا نفرا قليلا سأل جميعهم، وإن كانت رفقة كثيرة قال فليس عليه أن يطلب أربعين رجلا . مالك:
وقال عن ابن حبيب يطلبه في الرفقة الكبيرة ممن حوله ومن قرب، فإن لم يفعل هذا: فقد أساء، ولا يعيد، وإن كانت رفقة قليلة فلم يطلب أعاد ما دام في الوقت، وإن كانت مثل الرجلين والثلاثة أعاد أبدا . أصبغ:
فجعل طلبه من الرفقة الكبيرة استحسانا، وهذا ضعيف، وتوجه الخطاب في الطلب من النفر اليسير من الرفقة الكبيرة كتوجهه لو كانوا بانفرادهم. [ ص: 185 ]
ولا وجه أيضا لإيجابه الإعادة بعد خروج الوقت إذا كانوا نفرا مثل الرجلين والثلاثة، وأرى إن كان الغالب عنده أنهم يعطونه إذا سأل أعاد أبدا في الموضعين جميعا، وإن أشكل الأمر ولم يغلب أحد الأمرين جاز أن يقال: يعيد في الوقت; لأن الأصل العلم، وكون الماء ملكا لغيره، فلا تجب الإعادة بالشك، وأن يقال: الإعادة أبدا لأن الأصل الطلب، ولا يصح التيمم إلا بعد العلم واليأس في الغالب، ولم تأت هذه الحالة بعد.