ومن حلف ألا يكلم زوجته أو ليهجرنها وهو يصيبها- لم يكن بذلك عند موليا، فتطلق عليه عند انقضاء أجل الإيلاء، وهو من الضرر، ومما للزوجة أن تقوم بالطلاق لأجله، إلا أنه يفارق الإيلاء في الأجل، فتطلق على هذا إذا تبين الضرر، كان ذلك قبل أجل الإيلاء أو بعده. مالك
والنكاح يتضمن حقوقا للزوجة وهي: الإصابة والنفقة والكسوة وحسن العشرة، ولها أن تقوم بالفراق إذا لم يوف بأحد هذه الوجوه بعد الإعذار إليه إذا كان ممن يرجى ذلك منه، وإذا لم يرج طلق عليه إلا أن تكون [ ص: 2374 ] الزوجة عالمة به حين العقد بعجزه عن الإصابة أو النفقة أو الكسوة، فلا يكون لها أن تقوم بالفراق، وقد تقدم ذكر الطلاق بعدم النفقة والكسوة في كتاب النكاح الثاني.
وأما فالأصل في مطالبته بها ورفع الضرر جملة قول الله سبحانه: حسن العشرة وعاشروهن بالمعروف [النساء: 19] ، وقوله: ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا [البقرة: 231] ، وإن كانت الآية في المعتدة فإنه مع بقاء الزوجية آكد، ومن حسن العشرة ألا يهجرها ولا يقطع مبيته عنها ولا يضربها لغير وجه يوجب ذلك له عليها، ولا يزيد في عقوبتها فوق ما توجبه الجناية، ولا يدخل عليها من لا تؤمن ناحيته، وإذا أضر بها وترك المبيت أو هجرها قدم إليه في ذلك، فإن انتهى وإلا طلق عليه، وقال مالك ويحيى بن سعيد ليس في الهجران إيلاء. أي: ليس هو في الأجل كالإيلاء، ردا إلى ما ذهب إليه وابن شهاب: ابن المسيب وإبراهيم والشعبي والحكم أن كل يمين حلف بها الزوج في مساءة زوجته في جماع أو غيره فهو إيلاء وسواء بين الأجل في الإصابة وغيرها. وقول أحسن؛ لأن الإيلاء وإن كان الأجل فيه بالقرآن- فإنه المدة [ ص: 2375 ] التي تلحقها فيها المضرة للزوجة، وقد ذكر مالك أن أبو الحسن بن القصار - رضي الله عنه - كان يطوف ليلة في المدينة فسمع امرأة تنشد: عمر بن الخطاب
تطاول هذا الليل واسود جانبه... وأرقني ألا خليل ألاعبه فوالله لولا الله أخشى عقابه...
لزلزل من هذا السرير جوانبه مخافة ربي، والحياء يكفني...
وأكرم زوجي أن تنال مراكبه ولكن تقوى الله عن ذا يصدني...
وحفظا لزوجي أن تنال مراتبه
فدعاها فقال لها: وأين زوجك؟ فقالت: بعثته إلى الغزو، فدعا نسوة فقال: في كم تشتاق المرأة إلى زوجها؟ فقلن: في شهرين، ويقل الصبر في ثلاثة، وعدم الصبر في أربعة، فجعل مغازي الناس في أربعة أشهر. عمر
فعلم أن هذه المدة هي التي تعظم فيها المضرة على المرأة، وإذا كان ذلك لم يلحق به غيره من الإيلاء إذا اختلفت المضرة، فقد تلحق المضرة في الهجران في شهرين فلا يؤخر إلى أربعة، ولا يلحقها إلى سنة، فلا يعجل في أربعة، وقال في العتبية فيمن ابن القاسم لم تطلق [ ص: 2376 ] عليه. يريد: لأن الغالب من الأزواج التصرف بالنهار، فلا مضرة عليها في ذلك، واختلف قوله إذا حلف أن لا يدخل لامرأته نهارا: هل تطلق عليه بذلك أم لا؟ وأن تطلق عليه أحسن، والمضرة تدخل عليها في ذلك من وجهين: حلف ألا يبيت عندها،
أحدهما: ما يدركها من الوحشة.
والثاني: مخالفة العادة، وكونها على غير ما هو عليه غيرها من النساء من جيرانها وغيرهن، يأوي إليهن أزواجهن، فإذا بلغ من ذلك مضرتها طلق عليه، كان ذلك قبل أجل الإيلاء أو بعد، فإن - لم تطلق عليه، وليس ذلك من حقها. حلف ألا يبيت معها في فراش وهو معها في بيت أو في دار
وقال في كتاب محمد فيمن مالك هو مول، وليس عليها أن تأتيه، وعليه أن يأتيها. يريد: لظاهر الحديث قال: أنت طالق إن وطئتك، إلا أن تأتيني، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدور على نسائه.
وأرى إذا قال: إلا أن تأتيني إذا دعوتك- ألا يكون موليا، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: [ ص: 2377 ] "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح"............
لا يعارض هذا بالحديث الأول؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان له في بيت كل واحدة منهن فراش، وفراشهما واحد.
ولو قال: إلا أن تأتيني من غير أن أدعوك- كان موليا.
وفي كتاب فيمن ابن سحنون قولان، فقيل: هو مول، ولها أن تقوم به إلى السلطان، وليس ذلك سؤالا، وقال قال: والله لا أطؤك إلا أن تسأليني ليس بمول؛ لأن الامتناع من قبلها. سحنون:
قال الشيخ - رضي الله عنه -: أما إذا كان قيامها لأن يصيبها فقول صواب. وإن كان قيامها بالطلاق وليس لطلب الإصابة، وإنما تقول: لي حق، وعلي معرة في طلبه، وعليه أن يوفي به من غير طلب، فأنا أقوم بالطلاق إذا لم يفعل، فالقول أنه مول أحسن. سحنون
وقال فيمن قال: والله إن وطئتك إن شاء الله- هو مول، وقال مالك ليس بمول. فرأى أشهب: أن قوله: (إن شاء الله) محتمل أن يكون أراد به رفع اليمين الأول، وما في القرآن مالك ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله [ ص: 2378 ] [الكهف: 23، 24] فلا يكون استثناء، وقوله ووقوفه عنها ريبة في أنه لم يرد رفع اليمين، والقول الآخر أبين، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: فجعل هذا كافيا في الاستثناء ولم يفرق، ومعلوم أنه إنما ردهم في ذلك إلى ما في كتاب الله عز وجل، وهو الذي يعقلون. "من حلف فقال: إن شاء الله، فقد استثنى"
وإن كان موليا، وإن قال: علي نذر إن لم أقربك لم يكن موليا؛ لأن هذا حلف ليفعلن، والأول حلف على ترك الفعل. قال: علي نذر إن قربتك؛
قال وإن قال علي نذر أن لا أقربك- هو مول، وقال ابن القاسم: ليس بمول، وهو بمنزلة قوله: علي نذر ألا أكلمك، وهو نذر في معصية، وهذا هو الأصل؛ لأن "أن" مع الفعل المستقبل بمعنى المصدر، فكأنه قال: علي ترك قربك ولا قربة في ذلك، وقول يحيى ابن عمر: أحسن؛ لأن الناس لا يقصدون في هذا موجب اللسان، والذي يسبق إليه من ذلك إن قربتك، وهو الذي يقصد بقوله ذلك. ابن القاسم
وقال إن ابن القاسم: [ ص: 2379 ] فليس بمول. حلف ليغيظنها أو ليسوءنها، فتركها أربعة أشهر؛
قال الشيخ -رحمه الله-: ولو كانت نيته أن يغيظها بترك إصابتها لم يكن موليا؛ لأنه إذا أمسك عنها إلى مدة لم تتقدم العادة لتأخره إليها بالأمر البين كان قد بر في يمينه، وكان فيما بقي من إمساكه عنها إلى الأربعة الأشهر في غير يمين، وليس الحلف على ترك إصابتها كالحلف إن أصابها؛ لأن الأول حلف ليوجدن منه الترك، فإذا مضت مدة لم تكن العادة التأخر عنها كان قد وجد منه الترك، والآخر حلف ألا يوجد منه وطء، فمتى وجد ذلك منه -قرب أو بعد- حنث.
وكذلك فالحالف على الهجر بر في ترك كلامه ثلاثة أيام، والحالف ألا يكلمه يحنث في أي زمان وجد منه الكلام، غير أنه يستحسن إذا حلف ليغيظنها أن يوقف عند الأربعة أشهر، لإمكان أن يكون قصده اليمين ألا يصيبها، ومراعاة لأحد قولي الحالف ليهجرن فلانا أو لا يكلمه، فيمن ترك إصابة زوجته أربعة أشهر بغير يمين أنه يوقف، وإن قال: والله لا أطؤك، ثم قال: أردت أن لا أطأها بقدمي لم يقبل منه، وهو مول: لأن هذا اللفظ مع الزوجة هو بمعنى معهود. مالك
قال ولو ابن القاسم: [ ص: 2380 ] فليس بمول، ويأمره السلطان أن يخرجها فيصيبها: لأني أخاف أن يكون مضارا. ومحمل جوابه فيمن يخف عليه أن يمضي بأهله بمثل ذلك لغير مسكنه، ومن لا يحسن ذلك منه يكون موليا، وأيضا فإن على الزوجة معرة في خروجها معه لمثل هذا، وقد قال فيمن قال لا أجامعك في هذه الدار، وهو فيها ساكن؛ إنه مول إذا كان يتكلف فيه المؤونة. وكذلك هذا يتكلف في مثل ذلك المؤونة ولا شك في ذلك. [ ص: 2381 ] حلف ألا يصيب زوجته في هذا البلد: