على ثلاث مراتب: وأوقات الصلوات في الفضل
فأما المغرب والصبح فأول الوقت فيهما أفضل، وآخره في العشاء أفضل. واختلف في الظهر والعصر، فقيل: أول الوقت أفضل، وقيل: أوله وآخره سواء.
وقال أجمع أهل العلم على أن أول الوقت في المغرب أفضل. محمد بن سحنون:
وثبت في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير ما طريق أنه كان يصليها إذا توارت بالحجاب .
وأما الصبح فورد فيها ثلاثة أحاديث تدل على أن أول الوقت أفضل: [ ص: 234 ]
أحدها: أنه كان ينادى لها قبل طلوع الفجر. وفائدة ذلك إيقاعها في أول وقتها.
والثاني: حديث جابر - رضي الله عنه - قال: . يريد: كانوا أو لم يكونوا، كان يصليها بغلس ولم ينتظرهم بها، ولا يبالي إن فاتتهم الجماعة، بخلاف العشاء. " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي العشاء، أحيانا إذا رآهم اجتمعوا عجل، وأحيانا إذا رآهم أبطؤوا أخر، والصبح كانوا - أو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصليها بغلس"
والثالث: حديث - رضي الله عنها - قالت: عائشة . ومعلوم أنه كان يحب ما هو أرفق بأمته، وأن إيقاع هذه الصلاة أول الوقت أثقل عليهم; لأن الوقت يدخل عليهم وهم نيام، فلولا عظم الأجر في ذلك لم يتكلف ذلك بهم، ولهذا استحب مالك أن يصلي أول الوقت فذا، ولا يؤخرها ليصليها بعد ذلك في جماعة. " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن لا يعرفن من الغلس
وأما ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: فإنه أراد أن يتحقق الفجر; لئلا يوقع الصلاة في وقت مشكوك فيه [ ص: 235 ] فقال: " أسفروا بالفجر، فإنه أعظم للأجر" ، ولم يقل: أسفروا بالصلاة. " أسفروا بالفجر"
وأما العشاء فالأصل فيها حديث قال: أخر النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ليلة حتى رقد الناس واستيقظوا ثم رقدوا واستيقظوا ثم خرج فصلى بهم، فقال: ابن عباس . " لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا"
وقال في مدونته: تعجيلها أحب للأئمة ; لما يدخل على الناس من الضرر في انتظارها، فأما الرجل يصلي لنفسه أو جماعة اجتمع رأيهم على تأخيرها فإني أستحب تأخيرها إلى غيبوبة البياض، وإن أخرت خلف ذلك إلى ثلث الليل فواسع. وهذا أحسن، ما لم يؤد ذلك إلى اختلال بعبادة فاعل ذلك من آخر الليل، فينام عن حزبه أو يؤخر الصبح عن أول وقتها، فإنه يؤمر بتعجيلها ولا يؤخرها. أشهب
والقول في الظهر والعصر أن أول الوقت أفضل ; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ذكره " أفضل الأعمال الصلاة لأول أوقاتها" . فوجب حمل الحديث على [ ص: 236 ] عمومه إلا ما ورد النص باختصاصه وهي العشاء. وفي قوله سبحانه: النسائي وسارعوا إلى مغفرة من ربكم [آل عمران: 133] فدخل في ذلك جميع الطاعات; الصلاة وغيرها، وبهذا أخذ ولم ير تأخير الظهر إلى آخر الوقت إلا للمسافر إذا جد به السير، وقول مالك في الصلاة في الصيف أنها تؤخر ذراعا فإن ذلك إذا كان الحر المعتاد في ذلك الزمان، فإذا كان شدة الحر أمر الإمام أن يبرد فوق ذلك; لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: مالك . " إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة"
واختلف في الوقت الذي تبرد إليه، فقال في مدونته: لا يؤخرها إلى آخر وقتها. أشهب
وقال محمد بن عبد الحكم: يؤخرها أهل المساجد في شدة الحر حتى يبردوا، ولا يجوز الخروج عن الوقت. فأجاز التأخير إلى آخر الوقت. [ ص: 237 ]