فصل [فيمن ابتاع سلعة ودراهم بدينار، وحصل تأخير أو تقدم في السلعة والدراهم، أو استثنى في الدراهم]
واختلف إذا على أربعة أقوال: بيعت سلعة ودرهم أو درهمان بدينار، فتأخرت السلعة والدرهمان أو أحدهما
فروى عن ابن القاسم أنه أجاز ذلك إذا عجلت السلعة وتأخر الدرهمان، ومنعه إذا عجل الدرهمان وتأخرت السلعة. مالك
وروى عنه أنه أجاز ذلك وإن عجل الدرهمان وأخرت السلعة، ومنعه إذا افترق الدرهمان وعجلت السلعة والدرهم وتأخر الدينار، أو عجل الدينار وأخرت السلعة والدرهم. أشهب
وروى عنه ابن عبد الحكم في كتاب محمد أنه أجاز ذلك.
ومنعه محمد بن عبد الحكم إذا عجلت السلعة وتأخر العينان، وقال: [ ص: 2819 ]
هذا حرام؛ لأنه الصرف إلى أجل والدين بالدين.
قال الشيخ: الجواب عن جميع هذه الأسئلة واحد، إما أن نقول:
إن ذلك يسير ومما تدعو الضرورة إليه لتمام البيع لما كانت السلعة لا تبلغ دينارا، فجائز وإن أخر الدرهمان أو قدما أو فرقا فقدم أحدهما وأخر الآخر، أو يقال: إن ذلك مما لا تدعو الضرورة إليه؛ لأنهما قادران على أن يجعلا مكان الدرهمين أو الدراهم طعاما أو غيره مما يخف وجوده، فيمنع جميع ذلك.
وإذا عجلت السلعة وأخر الدرهمان كان أبين في الفساد منه إذا عجل الدرهمان وأخرت السلعة؛ لأن ما يقابل الدرهم من الدينار صرف، وقد عجلاه وتناجزا فيه، وما يقابل السلعة من الدينار بيع يجوز تأخيره، وقد تقدم ذلك وأنه قد قيل: إن ذلك جائز وإن كثرت الدراهم إذا تناجزا في الصرف وتأخرت السلعة.
قال وإذا وجد أحد الدرهمين رديئا أبدله ولم ينتقض الصرف. وروى عنه مالك: أنه قال: هذا بيع منتقض كله. ابن وهب
واختلف إذا كانت سلعة وثلاثة دراهم، هل يكون الجواب فيه كالدرهمين؟ فقال في المدونة: لا خير في ذلك. وأجازه في كتاب محمد.
وأما الخمسة والستة فلم يختلفوا أنها مراعاة، فلا يجوز تأخير العينين [ ص: 2820 ] ولا افتراقهما.
وقال فيمن مالك لا خير فيه، وهو عندي بخلاف الجزء من الدينار. اشترى سلعة بخمسة دنانير إلا ثلاثة دراهم فدفع أربعة دنانير وأخر الدينار حتى يأخذ الدراهم ويدفع دينارا، أو أخذ الدراهم وأخر الأربعة:
ولو لجاز؛ لأن البيع في هذه المسألة إنما وقع على ذهب خاصة، وليس في ذمته غير ذهب. اشترى سلعة بخمسة دنانير إلا خمسا أو إلا ربع الدينار، فدفع أربعة دنانير وأخر الدينار حتى يأتيه بخمس أو بربع، أو عجل الدينار وأخذ مصارفة الخمس، وتأخرت الأربعة-
ولو فأجاز في هذه المسألة أن يصارفه في دينار، وإن تأخرت الأربعة. ومنع مثل ذلك إذا كان البيع إلى أجل بنصف دينار نقدا، فدفع دينارا وصارفه في بقيته؛ لأن المنع من باب التهمة أن يكونا عملا على ذلك فقويت التهمة عنده إذا كان البيع بنصف دينار، فصارفه في بقيته، وضعفت في خمس من عشرة دنانير. أتى المشتري بخمسة دنانير، وقال: أكون شريكا معك بخمس دينار أو ربعه، جاز ذلك، وأجبر الآخر على قبولها، ولم يكن على المشتري غير ذلك، والذي اشترى بخمسة دنانير إلا ثلاثة دراهم في ذمة أحدهما ذهب، وفي ذمة الآخر فضة فافترقا،
وقد تقدم ذكر الاختلاف في ذلك فيمن اشترى سلعة بعشرة دنانير مجموعة، [ ص: 2821 ] فقضاه إياها، فكان في وزنها فضل، فأعطاه فيه ورقا أنه لا بأس به.
وكرهه في كتاب مالك محمد، وعلى قوله ذلك يكرهه في هذه.
وسئل عن سعيد بن المسيب قال رجل ابتاع طعاما بدينار ونصف درهم، فأراد أن يعطي بنصف درهم طعاما، فقال: لا، ولكن أعط درهما وخذ بقيته طعاما، كره أن يعطي دينارا وطعاما بطعام. مالك:
قال الشيخ: يجوز أن يعطيه بالنصف درهم من القمح بعينه بمثل ما ينوبه من الثمن لا أقل ولا أكثر، وتكون إقالة، فإن قبضه جاز أن يعطيه منه بمثل ما ينوبه وأرخص وأغلى إذا لم يفترقا أو افترقا ولم يغب عليه، فإن غاب عليه كره له ذلك.
ويكره أن يعطيه به شعيرا، وسواء كان ذلك قبل قبض القمح أو بعده، افترقا أم لم يفترقا.
ويجوز أن يعطيه به قطنية أو تمرا قبل القبض وبعده ما لم يفترقا، فإن افترقا كره له ذلك، فإن نزل ذلك لم يفسخ في أي هذه الوجوه كان؛ لأن الكراهية في ذلك من باب التهمة، خيفة أن يكونا عملا على ذلك، والتهمة تضعف لقلة ما ينوب نصف درهم في جنب الدينار.
وقد أجاز في أحد قوليه لمن اشترى سلعة بدينار إلا درهمين مفارقة الدراهم الدينار، وإن كان ذلك يسيرا فهو في هذه المسألة في التهمة في نصف [ ص: 2822 ] درهم أضعف منها في درهمين، وأجاز في المسألة المتقدمة فيمن اشترى سلعة بعشرة دنانير فقضاه إياها، فكان في وزنها فضل أن يأخذ فيه دراهم بعد الافتراق، ولم يتهمهما أن يكونا عملا على ذلك. [ ص: 2823 ] مالك