باب في الدنانير القائمة والأفراد والمجموعة والحلي والتبر والقمح والدقيق يقتضى بعضه من بعض
الدنانير القائمة والأفراد والمجموعة في القضاء على ثلاثة أقسام:
فتجوز القائمة والأفراد والمجموعة أن يقتضى بعضها من بعض من غير مراعاة لأيهما تقدمت في الذمة.
ولا يجوز في الأفراد والمجموعة أن يقتضى بعضها من بعض على كل حال.
ويجوز أن تقتضى القائمة من المجموعة، ولا تقتضى المجموعة من القائمة، هذا قوله في الكتاب.
والصواب أن تقتضى المجموعة من القائمة، كما يجوز أن تقتضى القائمة منها، والقائمة يزيد كل دينار منها حبة على الوازن، والأفراد ينقص كل دينار منها حبة عن الوازن، فجاز أن تقتضى إحداهما من الأخرى؛ لأن [ ص: 2852 ] الفضل من ناحية صاحب القائمة وهو أحسن القضاء، إن أخذت من الأفراد، ومسامحة من المقتضي إن تركها وأخذ الأفراد، إلا أن تكون القائمة أقل عددا فتدخله مبايعة؛ لأنه ترك فضل أعداد الأفراد لموضع فضل عيون القائمة، وذلك ربا.
والمجموعة مختلفة الوزن، منها ما ينقص قيراطا وأقل وأكثر، ويدخل فيها ما وزنه نصف وثلث إلا أن الوزن يجمعها، فمن كانت له مائة مجموعة أخذ مائة بالصنجة فيدخلها مع الأفراد المبايعة؛ لأن للأفراد فضل عين وللمجموعة فضل وزن، فجعلا فضل العين لموضع فضل الوزن وذلك ربا، إلا أن يسقط فضل وزن المجموعة ويأخذ الأفراد بوزن المجموعة سواء فيجوز، ويصير الفضل من ناحية واحدة وهو من صاحب الأفراد، إلا أن يكون لكثرة العدد عندهم فضل فيجوز على القول أن الاقتضاء كالمراطلة.
وأما القائمة والمجموعة فيجوز أخذ بعضها عن بعض إذا لم يكن لكثرة العدد عندهم فضل؛ لأن الفضل لصاحب القائمة، فإن أخذت عن المجموعة كان حسن قضاء من الغريم، وإن أخذت المجموعة عنها كانت تجاوزا من القابض؛ لأنه أخذ ما هو أدنى في الوزن والعين، وإن كان للعدد عندهم فضل لم يجز أيهما تقدم في الذمة أو تأخر؛ لأن في وذلك ربا لأنها مبايعة، وليست بمعروف إلا أن يتساويا في الوزن. [ ص: 2853 ] مقابلة فضل وزن القائمة وفضل عينها فضل عدد المجموعة،
وأجاز ابن القاسم وكذا أن يقضي مجموعة بمثل ذلك الوزن، وإن كانت المجموعة أكثر عددا، وهذا هو أحد القولين أن الاقتضاء كالمراطلة. إذا أسلف قائمة بمعيار، أو باع بقائمة وزنها كذا
ومدار هذه المسائل وما بعدها على ثلاث:
فمتى كان الفضل من جنبة واحدة جاز؛ لأن ذلك تفضل من الدافع أو القابض، وإن كان لكل واحد منهما فضل سكة أو ذهب واختلف الوزن، حرم.
وإن استوى الوزن كان على قولين في الاقتضاء هل هو كالمراطلة؟ وعلى هذا يجري الجواب في الدنانير والتبر إذا اقتضى التبر عن الدنانير أو الدنانير عن التبر.
فإن كان التبر أفضل وزنا حرم؛ لأن فضل الوزن لموضع فضل السكة، وإن استوى الوزن وجودة الذهب أو كان ذهب التبر أدنى أو كان التبر أقل وزنا وأدنى جودة- جاز؛ لأن الفضل من صاحب الدنانير وحده.
وإن كان التبر أجود نظرت إلى الوزن، فإن كان سواء جاز على أحد القولين إنه كالمراطلة، وإن كان التبر أقل وزنا لم يجز، وكان ربا؛ لأن فضل وزن الدنانير وفضل السكة في مقابلة جودة الذهب. ومثله الحلي والتبر، فإن كان التبر أكثر لم يجز، وسواء كان في الجودة مثل ذهب الدنانير أو أجود أو أدنى.
وإن استوى الوزن والجودة، أو كان التبر أدنى أو أقل وزنا جاز؛ لأن [ ص: 2854 ] الفضل من ناحية صاحب الدنانير، وإن كان ذهب التبر أجود وهو أقل وزنا لم يجز، وإن كان مثل وزن الدنانير جاز على أحد القولين إنه كالمراطلة.
وإن لم يجز بحال؛ لأن السكة والصياغة كالعرضين وهما مما تختلف فيهما الأغراض، ولا يقال: إن أحدهما أفضل من الآخر؛ لأن هذه تراد لما لا يراد له الآخر. كان دنانير أو حليا واختلف الوزن
وإن استوى الوزن كان فيهما قولان: الجواز والمنع، وسواء استوى الذهبان في الجودة أو اختلفا.
فمنع ذلك مرة في كتاب مالك محمد، وقال: يفسخ إذا فعلاه. وأجازه في مختصر ابن عبد الحكم فيمن أصدق امرأة دنانير أن يعطي عنها حليا مثلا بمثل.
وأجازه في الكتاب إذا كانت له دنانير قائمة بوزن أن يأخذ مجموعة بوزنها.
وأجاز ذلك أيضا فيمن كان له قمح أن يأخذ عنه دقيقا بكيله، وإن كان قد ترك الريع لمكان الطحين، وكل هذا مختلف فيه إذا كان اقتضاء، وأجيز في المراطلة.
ولا فرق بين المسألتين، فإما أن يجوز ذلك فيهما جميعا في الاقتضاء [ ص: 2855 ] والمراطلة وتكون السكة والصياغة في معنى اللغو، أو يمنع فيهما جميعا ويقدر بمنزلة سلعة وذهب بسلعة وذهب.