باب في ومن يصح ذلك منه إحياء موات الأرض وصفة الإحياء،
الأصل في إحياء موات الأرض قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: أخرجه "من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها" ، وقوله: البخاري وهذا حديث حسن السند ذكره "من أحيا أرضا ميتة فهي له، وليس لعرق ظالم حق"، النسائي والترمذي.
والإحياء على ثلاثة أوجه: جائز، وممنوع، ومختلف فيه.
وذلك راجع إلى حال تلك الأرض وهي ثلاثة: بعيدة من العمران، وقريبة، وما كان بين الديار.
فما كان بعيدا كان له أن يحييه بغير إذن الإمام، واستحسن مطرف في كتاب وابن الماجشون أن يكون بقطيعة من السلطان، فإن لم يفعل مضى له. ابن حبيب
والأول أحسن; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أباح ذلك من غير قطع ولا مطالعة، فقال: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" . [ ص: 3289 ]
واختلف فيما قرب من العمران إذا فعل من غير إقطاع الإمام، فقال إن فعل مضى، وأحب إلي ألا يفعل إلا بإذن السلطان، وقاله أشهب: ، وقال أصبغ مطرف الإمام بالخيار بين أربعة أوجه: إن رأى أن يقره له، أو يقره للمسلمين ويعطيه قيمته منقوضا، أو يأمره بقلعه، أو يقطعه غيره، ويكون للأول قيمته منقوضا. وابن الماجشون:
والبعيد ما كان خارجا عما يحتاجه أهل ذلك العمران من محتطب، ومرعى مما العادة أن الرعاة يبلغونه، ثم يبيتون في منازلهم، ويحتطب المحتطب، ويعود إلى موضعه وما كان من الإحياء في المحتطب والمرعى فهو القريب من العمران -أي: من الديار- فيمنع.
وأرى إذا نزل أن ينظر في ذلك إن كان في بقائه ضرر; لأنه ضيق المرعى والمسكن لما كان يسكن بأهله وماشيته، وفي كونه هناك ضرر وفساد لما يعلم من شره وحاله، أو لأنه في غنى عنه وغير فقير أخرج الأول، وإن كان فقيرا لا يخشى ناحيته ولا يضيق على الناس- كان الإحياء للرعي لا للسكنى فأحيا الشيء اليسير لم ينزع منه، ولو قيل: إذا خرج أن له القيمة قائما، لكان وجها; لأنه بنى بشبهة، ولقول إنه ماض، ولا ينتزع، وقال أشهب: في المجموعة: سواء كانت أرض صلح أو عنوة أو أسلم عليها. سحنون
يريد: أنه ينظر في القرب والبعد، وهذا صحيح; لأن العافي والبعيد [ ص: 3290 ] خارج عما ينعقد الصلح به أو سلم عليه ; لأنه لم يكن فيه قبل ذلك منتفع، ولا حمى ولا ذب.
واختلف في إحياء أهل الذمة فقال ابن القاسم: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أحيا أرضا ميتة فهي له" ، إلا أن يكون في ما أحيوا من موات أرض الإسلام فهي لهم، جزيرة العرب، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ، قال "لا يبقين دينان في جزيرة العرب" مالك: وجزيرة العرب الحجاز والمدينة ومكة واليمن، قال مطرف فإن فعل أعطي عمارته وأخرج، وإن أعمر في غير ذلك في بعد من العمران فهو له، فأما ما قرب من العمران فيخرج ويعطى قيمته منقوضا; لأنه ليس للإمام أن يقطعه إياه . وقال وابن الماجشون: أبو الحسن ابن القصار: ولم يفرق بين قريب ولا بعيد. لا يجوز للإمام أن يأذن لأهل الذمة في إحياء الموات.