فصل [فيمن وهب هبة مطلقة ثم ادعى الثواب]
وإن كانت الهبة مطلقة لم يذكر فيها ثوابا ثم قال: أردت الثواب، فإن كان له دليل على ذلك صدق، وإن كان هناك دليل أنه لا يراد بها الثواب -لم يصدق، وإن أشكل الأمر- لم يكن له شيء; لقول - رضي الله عنه -: "من وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته" . فلم يجعل له فيها مقالا إلا مع قيام الدليل; ولأن موضع الهبات والصدقات عدم الإعواض، والإعواض يخرجها عن الهبات إلى البياعات، فكانت على ما وضعت له إلا أن يعلم أنه أراد المبايعة، وإن كانت الهبة من فقير لغني- كان له الثواب، وإن كان من غني لفقير لم يكن له ثواب. وقيل: إنه نادم; لأن المراد بالعطية للفقراء الصدقة، وإن كانت بين غنيين كان له الثواب عند عمر لأن شأن الأغنياء المكافأة. مالك;
واختلف إذا كانت بين فقيرين، فقال مرة: لا ثواب له. وذكر أبو الفرج عنه أن له الثواب; لأن رجاء الفقير من مثله مثل رجاء الغنيين، وقد يسقط الثواب بين الغنيين، وإن كانت من فقير لغني إذا كانت العادة ألا يراد بها [ ص: 3423 ] الثواب ، وقال أشهب في كتاب محمد في هبة الغني أو الفقير للغني: له الثواب ما لم يرد بها عونا في حاجة أو ذبا ، يريد: أن الشأن فيمن أهدى لمن يسعى له في حاجة أو صرف مظلمة، لا يريد: ثوابا، وسواء كان الواهب غنيا أو فقيرا، وثوابه ما يتكلف من تلك الحاجة، ولا ثواب للسلطان إن وهب لغني، وهو قول محمد .
واختلف في الهبة له، فقال لا ثواب عليه. وقال ابن شعبان إن كان الواهب فقيرا فله الثواب، وإن كان غنيا فلا ثواب له . وقوله في الفقير حسن; لأني لا أجده يقصد بذلك ذبا عن مال ولا اكتساب جاه. أبو محمد عبد الوهاب:
وأما الغني فلا ثواب له; لأن القصد اكتساب جاهه أو ذب عن مال إلا أن يكون ذلك عند ما لزمه من مطالبات فيفعل ذلك رجاء الترك فلا يفعل، أو طارئا قدم بتجارته كالأعلاق النفسية يهديها إليه; فالشأن في مثل هذا الثواب، إلا أن يعلم أنه أراد اكتساب جاه; فيهدي بعض ما يقدم به، أو يريد المقام والسكنى أو تلزمه مغارم فلا ثواب له إن ترك له ما يرى أنه رجاه، وقال لا ثواب فيما يوهب لفقيه أو لرجل صالح . قال أبو محمد عبد الوهاب: وهي تجب على من وهبها له. يريد: إلا أن تكون الهبة بين فقيهين أو ما أشبه ذلك. [ ص: 3424 ] ابن شعبان: