[ ص: 3433 ] باب ما يجوز حبسه وما يمنع
الحبس ثلاثة: الأرض وما يتعلق بها كالديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمصانع والآبار والقناطر والمقابر والطرق.
والثاني: الحيوان كالعبيد والخيل وغيرها.
والثالث: السلاح والدروع والثياب.
فيجوز تحبيس الصنف الأول وهو الأرض، وما ذكر معها، واختلف في الحيوان والثياب على أربعة أقوال، فأجازه ابن القاسم في المدونة ، وذكر أبو الحسن ابن القصار ، وأبو محمد عبد الوهاب في ذلك قولين: الجواز والمنع ، وقال: من أصحابنا من يقول "يجوز في الخيل"، وإنما الخلاف في غيرها، يريد: في العبيد والثياب.
وقال ابن القاسم في كتاب محمد : استثقل مالك حبس الحيوان، وقال في رجل حبس غلاما على رجل وعقبه: أكرهه; لأنه ضيق على العبد ، يريد: لما كان يرجى له من العتق، وظاهر هذا أنه يكره في العبيد والإماء دون غيرهما.
وأرى أن يجوز الحبس في جميع ذلك، والأصل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - حبس الأرض وما يتعلق بها لعمر لأرض صارت له من خيبر : ، فتصدق بها إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها غير أنها لا يباع أصلها ولا تورث ولا توهب عمر في الفقراء والغرباء، وفي الرقاب، وفي سبيل الله وابن السبيل، [ ص: 3434 ] والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم صديقا غير متمول فيه، أخرجه البخاري ومسلم .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: فاشتراها من يشتري بئر رومة فيجعل دلوه فيه مع المسلمين بخير له منها في الجنة عثمان وجعلها للمسلمين، وقال: ، فاشتراها من يشتري بقعة بئر فلان بخير له منها في الجنة عثمان وزادها في المسجد، رواهما مسلم ، وقد وقف عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وزيد بن ثابت وعمرو بن العاص ، وزيد بن عبد الله ، وابن عمر ، وذكر لمالك قول شريح : لا حبس على فرائض الله، فقال: تكلم شريح في بلده ولم يقدم المدينة فيرى أحباس الصحابة - رضي الله عنهم - وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه أوقاف النبي - صلى الله عليه وسلم - سبع حوائط .
والأصل في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: تحبيس ما سوى الأرضين ، أخرجه من حبس فرسا في سبيل الله إيمانا بالله وتصديقا لوعده، فإن شبعه وريه في ميزانه يوم القيامة البخاري ، وقال في خالد : قال: ، أخرجه حبس أدراعه وعبيده في سبيل [ ص: 3435 ] الله البخاري ومسلم ، وقال: ، يريد: الحبس; لأن معنى الحبس: حبس الرقاب عن البيع وتصرف منافعه فيما وقف له، فكان الحكم المساواة في ذلك بين الرباع وغيرها. إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية