باب في والأب يشتري ما تصدق به على ولده أو وهبه الرجل يشتري صدقته أو هبته أو عريته،
وقال ولا يشتري الرجل صدقته من المتصدق عليه ولا من غيره ، والأصل في هذا حديث مالك: - رضي الله عنه - قال: عمر . حملت على فرس في سبيل الله فأضاعه الذي كان له عنده، فأردت أن أشتريه وظننت أنه بائعه برخص، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه"
وقال قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ابن عباس: . "ليس لنا مثل السوء; العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه"
وقد اختلف في خمسة مواضع: أحدها: هل النهي على الوجوب أو الندب؟ والثاني: هل النهي عن الشراء من المتصدق عليه خاصة، أو منه وممن صارت إليه؟ والثالث: هل تدخل في ذلك الصدقات الواجبة كالزكاة؟ والرابع: هل الهبة في ذلك كالصدقة؟ والخامس: هل عطية المنافع كالعرية أو [ ص: 3474 ] العرية كالرقاب؟ فالمشهور من المذهب أن النهي في ذلك على الندب، قال لا ينبغي أن يشتريها، وقال: يكره . وقال مالك: ذلك حرام. فعلى القول الأول: إذا نزل مضى، وعلى القول الآخر يفسخ، وظاهر ما في كتاب الداودي: محمد أنه لا يجوز، والأول أحسن; لأن المثل ضرب لنا بما ليس بحرام على فاعله; لأنه ليس بمخاطب، وقال في كتاب الزكاة: لا يشتري الرجل صدقة حائطه ولا زرعه ولا ماشيته، وذكر عن مالك عمر وابن عمر أنهم كرهوا ذلك . وجابر
وقال في كتاب النذور: ابن القاسم فهذا أشد كراهية . وقال كره مالك للرجل أن يشتري صدقة التطوع من الناس من لا يرى بذلك بأسا . وفي يحيى بن سعيد: قال البخاري قال: طاوس: معاذ لأهل اليمن: إيتوني بعرض من ثياب خميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة .
واختلف بعد القول ألا يفعل إذا نزل هل يجزئه؟ وأرى أن تجزئ قياسا على التطوع، وإن كان لا ينبغي ذلك ابتداء، ولا يتبع نفسه شيئا أخرجه لوجه الله -عز وجل-، فيرده إلى ملكه، وأعظم لأجره ألا يعود إليه، وقد سعد بن خولة أن مات بمكة في وطنه ; لأن موته في الموضع الذي هاجر إليه [ ص: 3475 ] متغربا- أعظم لأجره. رثى النبي - صلى الله عليه وسلم -
وأما الهبة، فقال في كتاب مالك محمد فيمن حمل على فرس، قال: إن لم يكن للسبيل ولا للمسكنة فلا بأس أن يشتريه . يريد: إن لم يكن صدقة. وقال يكره ذلك ; لأن الموهوب أو المتصدق عليه قد يستحي فيسامحه فيها، فيكون رجوعا في ذلك القدر، وهذا أحسن، وليس من مكارم الأخلاق أن يرجع في هبته، وإن كانت الصدقة أبين. أبو محمد عبد الوهاب:
وأما إن لم يكن ذلك لرغبة من المتصدق ولا من الواهب، وإنما هو بسؤال من المتصدق عليه أو من الموهوب له- جاز له; لأن ذلك يرجع إلى أنه معروف ثان، ومكارمة من المهدي، وقد أهدي للنبي - صلى الله عليه وسلم - خميصة لها أعلام ثم ردها إلى صاحبها لما ألهته أعلامها في الصلاة ، وكذلك فعل لم يكن بحرص من المعطي على بقاء الأول، وإنما كان ذلك طلبا لرضا المعطى، وقد يستخف هذا في الهبة دون الصدقة. معاذ،
ويختلف في العارية والعرية، وإذا أخدم عبدا أو أسكن دارا أو غير ذلك [ ص: 3476 ] من إعطاء المنافع، فقال كل من تصدق بغلة سنين ولم يبتل الأصل فلا بأس أن يشتري المتصدق ذلك، وإن كان له الأصل، قال: وأبى ذلك ابن المواز: واحتج بالحديث في النهي عن الرجوع في الصدقة، وأجاز لورثته أن يشتروا المراجع، قال عبد الملك محمد: والحجة ما بينه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العرية فهي أعم فيما بتل أصله وأرخص العرية . وقول لمالك هو الأصل، ولا فرق بين الرجوع في الرقاب أو المنافع، وكل ذلك داخل في النهي عن أن يعود في الصدقة، ولم يخص. عبد الملك
وأما العرية فإنما أجيزت لأنها على وجه المعروف، يضمنها ويكفيه مؤونتها، فهي معروف ثان. وقيل: على وجه دفع الضرر، والضرورات تنقل الأحكام، وقد أجاز بعض أصحاب مالك في النخلة تكون في الحائط يشتريها بخرصها لدفع الضرر ، ولو اعترف المعري أنه يشتريها لرغبة في الشراء لا لإرادة معروف ولا لرفع ضرر- لم يجز.
وقد تكون العرية على وجه الهبة فيكون ذلك أخف، وقد منع في المدونة من تصدق بصدقة أن يأكل من ثمرتها أو يركبها أو ينتفع بشيء منها ، فإذا منع أن ينتفع بالغلات كان بينا إذا كانت الغلات هي المتصدق بها أن يمنع من الانتفاع بها. [ ص: 3477 ] ابن القاسم