فصل [في الرجل يؤاجر الرجل دابته أو يعيره إياها ثم يهبها لغيره]
مضت الخدمة والإجارة على ما هي عليه ولم يدخلا في الهبة ، بخلاف الرهن; لأن حق المرتهن في الرقبة ، وهي التي وهبت ، فعليه أن يفتديها ليتم هبته ، وحق المخدم والمستأجر في الخدمة دون الرقاب ، فإنما وهب ما لا حق فيه للآخر . وإن أخدم عبده أو آجره ثم وهبه
واختلف هل تصح هبة الرقاب مع تعلق حق المخدم والمستأجر؟ فقال في المدونة : إذا أخدم الجارية سنين ثم قال بعد قبضها : هي لفلان بتلا ، فإن قبض المخدم قبض للموهوب له ، وهي من رأس المال . قال مالك : وكذا إذا أعار عبده ثم وهبه ، قال : ولا يكون ما في الإجارة قبضا إلا أن يسلم الإجارة معه ، وفرق ما بين السؤالين [ ص: 3501 ] لأن المخدم محوز عن ربه والمستأجر محوز له . ابن القاسم
وخالف في المخدم وقال : لا يكون حوزا إذا كانت الهبة بعد الإخدام ، وإن أخدمه وتصدق به في فور واحد كانت العطية محوزة ، وإن قتل كانت القيمة لمن وهبت له الرقبة . عبد الملك
وخالفه في الإجارة ، فقال في كتاب أشهب محمد : هو حائز وإن لم يسلم الإجارة معه . قال : وهو بمنزلة ما لو وهبه لمن هو في يديه .
قال الشيخ -رحمه الله- : المخدم على وجهين ، فإن وهب المرجع بعد انقضاء الخدمة ليس من الآن لم يكن محوزا; لأن المخدم يحوزه الآن لنفسه ، وإن قتل كانت القيمة لصاحبه الأول ، وإن جعل له الرقبة من الآن فإن كانت نفقة العبد على سيده لم تصح الهبة; لأنه إذا كانت النفقة على الواهب لم يكن محوزا ، وإن شرطها على الموهوب له كانت فاسدة; لأنه لا يدري هل يسلم لانقضائها ، وإن كانت [ ص: 3502 ] نفقته قبل الهبة على المخدم صار كالعبد المغصوب; لأن الواهب رفع يده عنه ، إلا أن يرضى المخدم أن يحوز له فيجوز ، بخلاف ارتهان فضلة المرتهن; لأن المرتهن حقه في الرهن وفي ثمنه ، والمخدم حقه في منافعه ليس في رقبته ، فإذا حاز الرقبة للموهوب له جاز .
وإن كان العبد في الإجارة لم يكن محوزا; لأن ، فإن أبقاها على نفسه لم يكن حوزا ، وإن شرطها على الموهوب له كانت هبة فاسدة; لأنه لا يدري هل تسلم لانقضاء الأجل ، وإن كانت نفقته قبل الهبة على المخدم صار كالعبد المغصوب; لأن الواهب فليحذف رفع يديه عنه ، إلا أن يسلم الواهب النفقة إلى الموهوب له ويكون هو المتولي للإنفاق عليه ، وإليه يأوي العبد فتصح الهبة . نفقة العبد على صاحبه
فرضي الساكن أن يحوزها للموهوب له جاز ، وإن لم يرض وقال : لا أحوزها . لم تصح الهبة ، قال وإن كانت الهبة دارا أو ثوبا أو ما لا يحتاج إلى نفقة محمد : وإن قال المخدم بعد أن أخدمه وحازه : إن مت فهي صدقة على فلان المخدم أو غيره جاز وكان من الثلث ، قال مالك : وإن قال بعد الخدمة في مرضه : هو لفلان . كان من الثلث ; قال : ومن حبس على رجل حياته ، ثم قال : هو في سبيل الله . وأسلمه إليه كان من الثلث ، قال محمد : وأصل أنه من [ ص: 3503 ] رأس المال; لأنه مما لا يرجع إليه ولا إلى ورثته منه شيء . أشهب
لم يكن محوزا ، بخلاف المخدم; لأن المودع قبل العلم يحوزه لربه ، والمخدم يحوزه لنفسه ، وإن علم بالهبة وقال : أحوزه للموهوب له كان حوزا ، وإن قال : أبقي على حوزه للواهب . لم يكن محوزا ، وإن قال : لا أحوزه للأول; لأنه وهبه ، ولا أرضى أن أحوزه للثاني ، ولا أكون أمينا له . كان على القولين في المغصوب . ومن أودع عبدا ثم وهبه ولم يعلم المودع
واختلف إذا وهب نصفه ورضي المودع أن يحوز له نصفه ، فقيل : ذلك حوز . وقال في المبسوط : ليس بحوزة لأن يده باقية عليه للأول ، والقول الأول أحسن; لأنه أمين لهما ، وقد رضي أن يمنع الواهب أو يمكنه من نصفه . ابن الماجشون
وإن وهبه وهو في يد غاصب كانت الهبة جائزة ، بخلاف البيع ، فإن انتزعه الموهوب له في حياة الواهب صحت الهبة .
واختلف إذا لم يأخذه حتى فلس الواهب أو مات ، فقال : الهبة ساقطة . وقال ابن القاسم أشهب ومحمد : هي ماضية . واختلفا في تعليل ذلك ، فقال : لأنه ليس فيها حوز غير هذا . يريد أنه لا يقدر على أكثر من هذا . [ ص: 3504 ] أشهب
وقال محمد : لأن الغاصب ضامن ، فهذا كالدين .
وقول في هذا إن الهبة ماضية أحسن; لأن الواهب رفع يده عنها ولا يقدر على أكثر من هذا ، وليس كالدين; لأنه إنما وهبه عين المغصوب ولم يهبه قيمته . [ ص: 3505 ] أشهب