فصل [في وصية المريض وما يعرض لها من جواز ومنع واستحباب] 
وصية المريض  على خمسة أوجه : واجبة ، ومستحبة ، ومباحة ، ومكروهة وممنوعة ، فتجب بما قبله من تباعات الله سبحانه وتعالى ، زكاة ، أو كفارة يمين ، أو ما أشبه ذلك مما فرط فيه أو لم يفرط ، أو لآدمي من مداينات ، أو قراض ، أو وديعة لم يتقدم الإشهاد بها; لأن ترك الإشهاد الآن يؤدي إلى تلف ذلك على  [ ص: 3539 ] أربابها ، وإنما رضوا بترك الإشهاد مع الصحة ورجاء السلامة . 
وإن كان قبله غصب أو تعد ، فعليه أن يشهد به ليبرأ منه ، وما سوى هذا القسم فهو راجع إلى ما تطوع به الموصي . فإن كانت الوصية يتعلق بها حق الله سبحانه وتعالى  ، ولا تضر بالورثة ، أو تضر بهم لقلة المال ، وكان ما يرجى فيها من الأجر أعظم مما يرجى من الترك للورثة ، كانت مستحبة . وإن كان ما يرجى من الترك أعظم أجرا كانت مكروهة ، وإن تقاربا كانت مباحة ، وإن كان لا يتعلق بها طاعة ولا معصية ولا مضرة على الورثة ، كانت مباحة . وإن كان يتعلق بها معصية كانت ممنوعة ، فإن كان الورثة مياسير لم يكن في الوصية كراهة من جهتهم ، وسواء كان المال قليلا أو كثيرا . 
ثم ينظر في الموصى له  ، فإن كان موسرا كانت مباحة ، وإن كان معسرا كانت مستحبة ، وإن كان معسرا وله قرابة كانت آكد في الاستحباب ، وإن كانا فقيرين قريبا وأجنبيا ، استحب أن يجعلها في القريب ، ومكروه له أن يجعلها في الأجنبي دونه ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -  لأبي طلحة   :  "ضعها في أقاربك وبني عمك"   .  [ ص: 3540 ] 
وإن كان الورثة فقراء والمال قليلا كرهت الوصية لأجنبي  ، فقيرا كان أو موسرا ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - :  "إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس"  . ولقوله - صلى الله عليه وسلم - :  "لا صدقة إلا عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول"  . فهو عند الموت إلى ذلك أحوج . 
وإن جعل الوصية في قريب فقير  وهو أقرب قرابة من الوارث كانت مستحبة . فقد يحرم الأقرب الميراث ، ويأخذ الأبعد بالتعصيب كبنت الأخ ، والعم ، والعمة ، وابن العم . وكذلك إذا كانت منزلتهم سواء ، كبني الأخ ، والأعمام ، وبني الأعمام رجالا ونساء ، وكلهم فقراء ، فهي مستحبة في الإناث; لأن الميراث للذكور ، فيكون قد وصل رحمه وعم نفع ماله جميعهم . وإن كان الإناث صغارا ، كان ذلك آكد على الحث في الوصية لهم . 
وإن كان للوارث ولد فقير والمال قليل ، كره له الوصية حملا على الحديث :  "ابدأ بمن تعول"  . وإن كان صغيرا كان آكد في الكراهة .  [ ص: 3541 ] 
				
						
						
