باب فيمن قال : أحد عبدي حر أو إحدى امرأتي طالق
وإذا ، فإنه لا يخلو ذلك من ثلاثة أوجه ، إما أن يقول ذلك ولا نية له في واحد بعينه ، أو له نية في واحد وهو ذاكر لمن نواه ، أو نسيه ، فإن لم تكن له فيه نية كان فيها ثلاثة أقوال : قال : أحد عبدي حر أو إحدى امرأتي طالق
فقال في المدونة : ابن القاسم ، قال : وهو بمنزلة من قال : رأس من رقيقي صدقة على المساكين أو في سبيل الله ، وإن قال : إحدى امرأتي طالق ، طلقتا من غير خيار وفرق بين العتق والطلاق . إن قال : أحد عبدي حر كان بالخيار يعتق أيهما أحب
وفي مختصر : يعتق العبدان جميعا من غير خيار ورد العتق إلى الطلاق . وقال في كتاب ابن الجلاب محمد : يخير في الطلاق . وقال شبه إسماعيل القاضي قول الرجل أحد عبدي حر بقوله أحدهما صدقة ، فكأنه حين أنزله هذه المنزلة جعله عقدا أوجبه على نفسه ليعتق به واحدا إذا كان هذا من العقود [ ص: 3741 ] التي يوجبها الرجل على نفسه يتقرب بها إلى الله -عز وجل- ، وقد سمعت ابن القاسم أحمد بن المعذل ينحو هذا النحو : والطلاق لا يجري هذا المجرى ، وإذا كان السيد أراد هذا المعنى الذي ذهب إليه فكأنه أوجب على نفسه حرية يوقعها بعد ذلك الوقت في عبد من أولئك العبيد وهو مصدق أنه لم يرد ذلك المعنى ، وأنه أراد الإيجاب في أحدهم من غير أن يكون المعنى الذي وصفنا ، فينبغي أن يجري مجرى الطلاق وأن يعتقوا كلهم بالحكم; لأنه لما أشاع العتق فيهم ولم يكن واحد منهم أولى من الآخر كان كأنه أعتق سدسهم إن كانوا ستة ، ويحكم عليه بعتق من بقي ، فإن مات من قبل أن يبين ما أراد ، لم يجز أن يحكم بعتق جميعهم ، ويقرع بينهم فيعتق سدسهم بالقيمة; لأن في ذلك ضررا على الورثة انتهى قوله . ابن القاسم
قال الشيخ : ليس هذا معنى قول ولو كان أوجب أن يوقع عتقا فلم يوقعه حتى مات لم يعتق بعد موته منهم أحد لا في ثلث ولا من رأس المال . ابن القاسم
وفي كتاب محمد : إذا مات أحد العبدين قبل أن يختار كان الآخر حرا فلو [ ص: 3742 ] كان الأمر على ما قاله إسماعيل لم يكن الآخر حرا إلا أن يوقع السيد عليه ذلك ، وإنما أراد أنه أوقع العتق في واحد ، ولم يعينه .
وذكر محمد عن المصريين من أصحاب : مالك ابن القاسم وأشهب وابن وهب وابن عبد الحكم عن في الطلاق أنه قال : يطلقان عليه جميعا ، وقال : وأما مالك المدنيون من أصحاب فقد سمعت بعضهم يقول : ورواه لي عن مالك أنه قال : يخير فيهن فمن شاء منهن أوقع عليها الطلاق كالعتق . مالك
وفي مختصر في العتق أنهما يعتقان عليه جميعا كالطلاق . ابن الجلاب
وإذا كان له أن يختار في العتق فلم يختر حتى مرض كان على خياره ، فإن اختار عتق الأدنى ، رق الأعلى وعتق الآخر من رأس المال . وإن اختار عتق الأعلى كان الفضل على أصل في الثلث وعلى قول غيره من رأس المال . ابن القاسم
وفي كتاب محمد : إن لم يختر حتى مات لم يكن لورثته خيار ، ولكن يعتق [ ص: 3743 ] من كل رأس عشرة إن كانوا عشرة ، وخمسة إن كانوا خمسة . وقال محمد : الخيار لورثته كما كان لميتهم ، وقاله أشهب ورجع إليه وأصبغ ، وقال ابن القاسم في العتبية : يعتق ثلثهم بالسهم إن كانوا ثلاثة ، وربعهم إن كانوا أربعة . وقال مالك في كتاب عبد الرحمن بن القاسم محمد : إذا لم يختر السيد سجن أبدا حتى يوقع العتق على أحدهما ، وقاله قال : فإن أصر على الإباء بعد الحبس أوقع الحاكم العتق على الأدنى منهما; لأنه قد كان للسيد أن يعتقه ، ويرق الأفضل ، وكذلك ورثته إذا أنكروا أو اختلفوا إذا كانوا صغارا أو بعضهم ، عتق الأدنى بعتق الوصي ، وإن لم يكن وصي فالسلطان ، وكذلك إذا كانوا كبارا فاختلفوا ، قال أصبغ محمد : وإن لم يختر السيد حتى مات أحدهما كان ما خلفه لسيده وكان الباقي حرا ، وإن قتله رجل كان فيه دية حر إن قتل خطأ والقصاص إن قتل عمدا ، واختلف في ذلك قول فقال في كتاب ابنه : إن قتلا جميعا كان في الأول قيمة عبد وفي الثاني دية حر إن قتل خطأ والقصاص إن قتل عمدا ، وإن ماتا ورث الأول بالرق وكان مال الثاني لورثته [ ص: 3744 ] الأحرار ، قال سحنون محمد : ثم رأيته بعد ذلك نحا إلى أنهما قبل الاختيار على حكم العبيد ، فإن ماتا لم يتوارثا بالحرية ، وإن قتلا فقيمة عبدين ، ولا يعتق واحد منهما قبل اختياره ، وقال : إن استحق أحدهما أنه حر من الأصل أو أنه مدبر لم يكن عليه في الثاني شيء . أشهب
وقال في المدونة : إذا قال أحد عبدي حر وقال : نويت أحدهما ، صدق ولا يمين . وقال ابن القاسم في كتاب أشهب محمد : يحلف ، والأول أبين إذا كانا متكافئين وقال : نويت أحدهما وكذلك لو تفاضلا وقال : نويت بالعتق الأعلى صدق ، وإن قال : نويت الأدنى أحلف في موضعه استحسانا; لأنه لو قال : لم تكن لي نية لصدق وكان له أن يختار الأدنى ، وإن لم يسأل عن نيته حتى مرض فقال : نويت هذا صدق إذا كانا مساويين أو مختلفين وقال : نويت الأدنى ، ويحلف على قول أشهب . [ ص: 3745 ]
واختلف إذا قال نويت الأعلى ، فقال : يجعل فضل قيمته على الأدنى في الثلث ، وقال غيره : يخرج جميعه من رأس المال ، وهو أبين ، ولو جعل الفضل في الثلث لإمكان أن تكون نيته الأدنى لوجب أن يجعل الأدنى في الثلث أيضا; لأنه لا يصح أن يكون الفضل في الثلث إلا خيفة أن يكون نوى بالعتق الأدنى ، ثم انتقل إلى الأعلى ، فإذا لم يجعل الأدنى في الثلث جعل جميع هذا من رأس المال ، وإن نوى واحدا بعينه ثم أنسيه ، أعتقا أو طلقا جميعا ، ولا يصح أن يمسك أحدهما لإمكان أن يكون هو الحر أو هي المطلقة ، وهو بمنزلة من اختلط عليه شاتان إحداهما غير ذكية ، إلا أنهما لا يكونان حرين ولا مطلقتين بنفس النسيان حتى يحكم بالعتق أو الطلاق ، فإن مات العبدان في حياة السيد ولكل واحد منهما ولد حر ، كان للسيد نصف ميراثهما والنصف للولدين ، ولا يكون جميع ما خلفاه للسيد; لأن أحدهما حر ، ولا للولدين لأن أحدهما عبد ، وإن مات أحدهما كان ما خلفه بين سيده وولده نصفين ، وأعتق الثاني بحكم; لأنه يمكن أن يكون الباقي هو العبد . [ ص: 3746 ] ابن القاسم