باب فيمن اشترى عبدين فأصاب بأحدهما عيبا، أو استحق أو اشترى طعاما فوجد به عيبا، أو استحق بعضه، أو شاتين فوجد إحداهما غير ذكية أو خلا فوجد بعضه خمرا
ومن رد المعيب ولزمه السالم. وإن كان العيب بأجودهما، كان له أن يردهما؛ لأن الشأن أن شراء الأدنى إنما كان رغبة في الأعلى، والجواب في الاستحقاق كذلك إن استحق الأدنى، أو كانا متكافئين لزمه ما لم يستحق، وإن استحق الأعلى رد ما لم يستحق. اشترى عبدين صفقة واحدة، فأصاب بأحدهما عيبا وكانا متكافئين، أو كان العيب بأدناهما،
واختلف إذا فقال اشترى جملة عبيد أو ثياب، وهي متساوية أو متقاربة، فكان العيب أو الاستحقاق في أكثرها، له أن يرد السالم وما لم يستحق. وقال أشهب: يلزمه ذلك ولا رد له. ابن القاسم:
وفرق بين هذه المسألة والتي قبلها، إذا كان العيب والاستحقاق في الأرفع؛ لأن الأدنى إنما يشترى لمكان الأجود، وإذا كانوا صفقة سواء أو متقاربة، كان كل واحد مشتريا لنفسه لا مشتريا لغيره، ولو بقي عنده عبد من عشرة لزمه. ورأى ابن القاسم أن التاجر يرغب في شراء الجملة ولا يرغب في شراء القليل، وليس هذا اختلافا في فقه.
وأرى أن يرجع في ذلك إلى ما يقوله التجار، فإن قالوا: إن الرغبة في [ ص: 4356 ] الجملة، ومتى كان الواحد والاثنان لم يرغب في شرائه، وكان يشتريه بدون ما اشترى به في الجملة، كان له أن يرده. وإن قالوا: الرغبة والثمن سواء؛ لزمه.
واختلف في خمسة مواضع:
أحدها: إذا أراد أن يمسك الأدنى بعد أن مكن من الرد، هل له ذلك؟
والثاني: إذا كان العيب بالأعلى واستحق وفات الأدنى، هل يمضي بالثمن أو بالأقل من القيمة أو الثمن؟
والثالث: إذا كان العيب بالأدنى وأراد رده، وقال البائع إما أن تقبل الجميع أو ترد الجميع.
والرابع: إذا فات المعيب أو استحق وفات الآخر، واختلف في قيمة الفائت.
والخامس: ما الذي يفيت الأدنى إذا رد الأعلى، حوالة الأسواق أو العيوب؟
فمنع إذا كان رد الأعلى بعيب أو استحق أن يمسك الباقي ورآه بمنزلة من ابتدأ الشراء بثمن مجهول؛ لأنه ملك الرد، فأمسكه بما يصير له من الثمن في الجملة، وذلك غير معلوم إلا بعد تقويم. ابن القاسم
وأجازه وله في إجازته وجهان: أحدهما: أنه إنما يتمسك به على العقد الأول ولا ينحل إلا برده؛ لأن مصيبته بعد رد المعيب أو الاستحقاق من المشتري حتى يرده، وهو أصل أشهب فيمن وجد عيبا فصالح عليه، أنه شراء مرجع وليس كمبتدإ بيع. [ ص: 4357 ] ابن حبيب
والثاني: أن يكون أجراه على أحد القولين في جمع السلعتين، وإن كان يرى أن البيع الأول قد انحل.
وأرى له أن يتمسك به؛ لأنه باق على العقد الأول لم ينفسخ بعد، ولو كنت أرى قبوله ورضاه به فاسدا فرددت قبوله، لكان بمنزلة من لم يلتزمه، ثم ينظر قيمة الباقي من المعيب أو المستحق فيقبل بعد المعرفة بما ينوبه أو يرد.
واختلف إذا كان العيب بالأدنى فأراد المشتري رده وحده، وقال البائع: إما أن ترضى به أو ترد الجميع، فقيل: القول قول المشتري.
وقال في المدونة: إذا كان العيب في كثير من عدده أو وزنه أو كيله، حتى يضر ذلك بصفقته، لم يكن له أن يحبس ما صح بما ينوبه من الثمن، وإن كان معروفا؛ لأن البائع إنما باع على أن حمل بعضه بعضا بخلاف الاستحقاق. ابن القاسم
وإذا جعل للبائع مقالا أن يحمل الأقل عيب أكثر الصفقة، كان ذلك أبين أن يكون له ذلك، إذا كان العيب بالأدنى أن يحمله الأجود. وقال الداودي: وقد قيل ذلك سواء كان العيب في أقل الصفقة أو أكثرها، فإنه يرد الجميع أو يحبس الجميع. والأول أحسن، وإذا رد الأجود وفات الأدنى، مضى عند ابن القاسم بما ينوبه من الثمن، وقال- في كتاب محمد: فيمن اشترى شاة وعليها صوف، ثم وجد عيبا بعد أن جزه وفات: أنه يرد مثل الصوف أو قيمته ما بلغ.
فعلى هذا يرد قيمة الأدنى، إلا أن تكون القيمة أكثر فيمضي بالثمن.
وأما الوجه الذي يفيت الأدنى، فظاهر قول ابن القاسم حوالة [ ص: 4358 ] الأسواق.
وقال محمد: يفيته العيب المفسد الذي يفيت الرد بالعيب، وليس حوالة الأسواق ولا تغير البدن. لأنه لما وجد العيب بالمرتفعة من الجاريتين، فكأنه وجده فيهما، وهذا لأن رد الأدنى إذا كان الأجود قائما، من باب العيب عليه في صفقة، والعيوب لا تفيتها حوالة الأسواق ولا العيب الخفيف، وإذا كان العيب كثيرا كان بالخيار بين أن يمسك ويرد قيمته، ليس مما ينوبه من الثمن من الصفقة الأولى؛ لأن ذلك العقد سقط.
وقال محمد- فيمن ذلك له. وهذا صحيح؛ لأن الرد بالعيب من حق المشتري فيهما، فله أن يقوم بحقه فيهما أو في أحدهما. اشترى عبدين فوجد بهما عيبا، فرضي بعيب أحدهما وأراد رد الآخر:
وإن اختلفا في صفة الفائت كان القول قول المشتري عند إن لم ينقد، والقول قول البائع إن انتقد. وقال ابن القاسم أشهب ومحمد: القول قول البائع انتقد أو لم ينتقد. والأول أحسن؛ لأن المعيب سقط العيب فيه بالرد، وصار البيع في الباقي وحده.