باب في الخياط والصيرفي والدليل يخطئ فيما استؤجر عليه
فقال له: إنه يقطع ثوبا فاشتراه على قوله، ثم وجده دون ذلك، فإن لم يكن غر من نفسه لم يضمن، واختلف في الأجرة، وإن غر من نفسه لم تكن له أجرة واختلف في ضمانه. وإذا استؤجر خياط على قيس ثوب، فقال له: إن كان يقطع ثوبا اشتريته.
فإن لم يكن غر من نفسه لم يضمن. ويختلف في الأجرة حسب ما تقدم، وإن غر ضمن وله أجره، وهذا بخلاف الأول; لأن هذا يأخذ منه جيادا، فصار إلى غرضه فيما بدل له العوض، والآخر لم ينتفع بما بدل له العوض وإن ضمنت له القيمة. وإن استؤجر صيرفي ينتقد دراهم، ثم وجد فيها بعد ذلك زيوفا،
فإن غر من نفسه ضمن قولا واحدا; لأن هذا غرور بفعل، والأول غرور بقول; لأنه قاس ولم يقطع، وألزم مالك في المسألة الأولى الثوب للمشتري. والأحسن أن له أن يرده عليه لأنه قد علم أنه لو علم أنه لا يكسو لم يشتره. وإن كان البائع عالما أنه لا يقطع قميصا كان ذلك أبين في رده عليه، إلا أن يكون قيس الخياط وكلام المشتري [ ص: 4894 ] معه على قياسه في غيبة صاحبه. ولو قال للخياط: إن كان يقطع قميصا فاقطعه وإن كان لا يكسو قميصا فلا تقطعه، فقطعه، ثم تبين له أنه عاجز،
وإن قال: دلني على جارية فلان أشتريها لصفة بلغته عنها فدله على غيرها فاشتراها، فإن لم يغر لم يضمن، واختلف في الجعل، وإن غره لم يكن له جعل، واختلف في ضمانه، وإن كان البائع عالما قبل البيع أن المشتري إنما اشتراها لأنه يراها أنها أمة فلان - كان له أن يردها عليه.
وكذلك إذا قال له: دلني على ابنة فلان لأتزوجها، فدله على غيرها، فالجواب على ما تقدم، وقد قيل: لا شيء له من الأجرة في الدلالة على النكاح وإن لم يخطئ بخلاف الدلالة على البيع، وأراه جائزا ولا فرق بينهما; لأن ذلك يأخذه لمكان عنائه معه.
وإن فقال في "كتاب استؤجر ليدل على طريق فأوصله إلى غيره ولم يغر من نفسه، محمد": له الأجرة. وقال في "كتاب أشهب ابن القرطي": لا أجرة له. وهو أحسن; لأن الطريق التي استؤجر عليها لم يمر عليها، ولو أخطأ من بعض الطريق لكان له من الأجرة بقدر ما يصل منه، وإن كان على البلاغ لم يكن له شيء، وإن غر من نفسه لم يكن له أجرة.
ويختلف: هل يضمن ما هلك لأجل خطئه من بهيمة أو لصوص أكلوهم في تلك الطريق؟ وإن كان عالما بمن كان في تلك الطريق من اللصوص كان أبين; لأنه غرور بفعل. [ ص: 4895 ]