فصل [في حبس المكتري الدابة بعد انقضاء المدة]
ومن اكترى دابة مرة فحبسها بعد انقضاء تلك المدة تعمدا من غير عذر منعه من الرد، فإن كان في سفر، كان على حكم المتعدي يضمن ما نزل بها من عيب أو هلاك من سببه أو من غير سببه، وله أن يغرمه عند كراء المثل، كان أكثر من المسمى أو أقل. ابن القاسم
وقال غيره: عليه الأكثر من المسمى أو كراء المثل. فألزمه المسمى إن كان أكثر، وجعله كالراضي به. [ ص: 5166 ]
والأول أحسن; لأنها مدة متعدى فيها لم يقم فيها عقد، فوجب أن يغرم كراء المثل إلا أن يعترف بالرضا بالمسمى.
وإن كان الكراء لتستعمل بالمدينة فانقضت مدة الكراء: فإن كانت العادة أن ربها يأتي ليقبضها فلم يأت لم يكن على المكتري في تلك الزيادة شيء إذا لم يستعملها، وإن كانت العادة أن المكتري يأتي بها إلى ربها، فلم يفعل- كان عليه الكراء، وإن عدمت العادة وكان الكري أتى بها إلى المكتري كان عليه أن يأتي ليقبضها، وإن كان المكتري أتى بها لصاحبها وقبضها منه، كان عليه أن يردها إلى حيث قبضها، فإن لم يفعل كان عليه الكراء عن المدة التي حبسها فيها.
واختلف هل يغرم المسمى أو إجارة المثل؟ فقال إجارة المثل على ما استعملها فيه أو حبسه أياما بغير عمل. وقال غيره: عليه المسمى. وحمل حبس المكتري وترك المطالبة من الكراء بردها رضا منهما بالتمادي على مثل العقد الأول، وقول ابن القاسم: أبين، وقد تقدم وجه ذلك إلا أن يشهد على أحدهما بالرضا، فإن كانت الشهادة على المكتري كان [ ص: 5167 ] للآخر الأكثر. وإن كانت على الكري كان على الآخر الأقل، أو تكون العادة أن التمادي بحساب الأول. ابن القاسم
وإن حدث عيب أو تلفت لم يضمن على قول أن لصاحب الدابة المسمى; لأنه يرى ذلك رضا منهما، وعلى قول ابن القاسم يضمن ما حدث من عيب فيما قارب العقد. وخرج عن المعتاد في التراخي بالرد; لأنه على حكم المتعدي، وإن طالت الأيام لم يضمن؛ لأن فيه شبهة للرضا إذا لم يطلبها، وفيما قرب يقول: كنت أنتظر ردها. وقد تتوزع في صفة ما يغرمه من الكراء إذا لم يستعملها على قول ابن القاسم ابن القاسم.
وأرى أن يقال: بكم تكري هذه الدابة على أن يغيب عليها المكتري؟ ويمنع صاحبها من الانتفاع بها ومن كرائها، ممن ينتفع بها ثم يوقفها ولا يستعملها، فقد يكون كراؤها على هذه الصفة قريبا من كرائها لتستعمل; لأن غرض صاحبها كراؤها حسب ما تقدم وما يعود من منفعة، ولا يحط لراحتها شيء; لأن ذلك لا ينفعه كبير منفعة; لأنه لا [ ص: 5168 ] يكريها في مخوف، وحالها أمس وهي تستعمل واليوم وهي لا تستعمل سواء، وقد يكون كراؤها كذلك مثل كرائها لتستعمل; لأن صاحبها يقول: لا يفيدني وقوفها ولا تعطيلها شيئا. [ ص: 5169 ]