باب في وإذا اختلف رب المال مع العامل في الجزء أو ادعى أحدهما الصحة والآخر الفساد، وإذا اشترطا جزءا للمساكين القراض هل ينعقد بالقول؟
قال: الشيخ -رحمه الله-: القراض جعالة فلا يلزم بالعقد، وكل واحد منهما قبل العمل بالخيار، فإذا عمل أو اشتغل المال ارتفع الخيار ولم يكن لصاحب المال أن يأخذه، ولا للعامل أن يرده حتى ينض المال، وكذلك إذا اشتغل بعض المال كان للعامل أن يتمادى في التجر بجميعه، ولم يكن لصاحب المال أن ينتزع منه ما لم يشغله.
وإن أراد ذلك العامل لم يكن لصاحب المال في ذلك مقال إذا كان القراض على أن يعمل به في البلد، فإن كان أخذه ليسافر به - لم يكن ذلك له أن يسافر بالمال، فإن سافر بالمال انعقد القراض ولم يكن لهذا أن ينتزعه منه بعد شخوصه به ولا للآخر أن يتركه بغير البلد الذي أخذ [ ص: 5244 ] به.
ويجري في القراض قول آخر أنه يلزم بالقول، وإن لم يشغله ولم يسافر به، قياسا على أحد القولين في الجعالة، وتلزم أول نضة قياسا على أحد قولي مالك في الكراء مشاهرة أنه يلزم أول شهر، وهو أقل ما تتضمنه التسمية. وهذا الجواب في كل ما لا غاية له.
وإذا اختلفا في الجزء فقال العامل: أخذته على النصف. وقال الآخر: على الثلث، فإن لم يعمل كان العامل بالخيار بين أن يعمله على الثلث أو يرده، ولا يمين على رب المال على القول أنه لم ينعقد، وعلى القول الآخر يحلف أنه كان على الثلث، ثم يكون الآخر بالخيار بين أن يعمله على ذلك أو يحلف ويرده.
وإن اختلفا بعد العمل وفي المال ربح- كان القول قول العامل إذا كان المال في يديه أو أسلمه على وجه الإيداع حتى ينفصلا فيه; لأن تسليمه على هذه الصفة ليس بتسليم، وإن أسلمه ليتصرف فيه رب المال ويكون جزء العامل سلفا عنده- كان القول قول رب المال أنه على الثلث.
وقال في "المدونة" فيمن ابن القاسم كان القول قول العامل أن الثلثين [ ص: 5245 ] له. دفع مالا قراضا على الثلثين ولم يبينا لمن الثلثان، لرب المال أو للعامل-
يريد: إذا ادعى كل واحد الثلثين لنفسه، وادعى أن ذلك لقرائن كانت حينئذ، يقول كل واحد منهما: فهمت ذلك عنك، وإن لم يكن إلا مجرد العقد ولم يدع أحدهما على الآخر شيئا- كان القراض فاسدا، ورد إلى قراض المثل، إلا أن تكون العادة في الثلثين أنه يكون لصاحب المال أو للعامل فيكون له.
وقال ابن القاسم: كان القول قول العامل إذا أتى بما يشبه. إذا قال صاحب المال: دفعته إليك على أن لي مائة درهم وعلى أن ثلث الربح للعامل، وقال العامل: على أن لي نصف الربح،
قال الشيخ -رضي الله عنه-: فإن أتى بما لا يشبه كان القول قول صاحب المال ليعطيه إجارة المثل; لأن العامل أتى بما لا يشبه في كثرة الجزء ليس في أنه لم يكن حلالا وأتى الآخر بما لا يشبه في أنه فاسد، وإذا كان ذلك حلف صاحب المال أنه لم يكن على النصف، ورد إلى قراض مثله، ولا يمين على العامل إذا كان قراض المثل وإجارة المثل سواء، وإن كانت الإجارة أقل حلف العامل على نفي دعوى صاحبه، وكان له قراض مثله، وكل واحد منهما بالخيار بين أن يحلف على إثبات دعواه أو على نفي دعوى صاحبه، فإن حلفا على إثبات الدعوى [ ص: 5246 ] حلف العامل لقد عامله على النصف، وحلف الآخر أنه عامله على ما قال.
وإن نكل العامل وحلف صاحب المال، دفع أجر المثل، وإن نكل وحلف العامل كان له النصف.
وإن حلفا على نفي الدعوى حلف العامل أنه لم يعامله على ما قال، وحلف الآخر أنه لم يعامله على النصف، ويكون للعامل قراض المثل، فإن حلف صاحب المال ثم نكل العامل، كان صاحب المال بالخيار بين أن يدفع قراض المثل باليمين المتقدمة، أو يحلف يمينا ثانية على إثبات دعواه، ويدفع أجر المثل، فإن حلف العامل أولا ثم نكل صاحب المال كان العامل بالخيار بين أن يأخذ قراض المثل باليمين الأولى، أو يحلف يمينا أخرى على إثبات دعواه ويستحق النصف، وإن قال العامل: عملته على أن أبدأ بمائة درهم ثم يكون في النصف وحده، كان القول قول مدعي الصحة.