فصل [ في التجريح والتزكية سرا]
التزكية تقبل في السر، واختلف في قبولها علانية، فأجاز ذلك في الكتاب. ومنعه وهو أحسن; لأن الناس يتقون أن يذكروا في العلانية شيئا مما يعلمون؛ خيفة العداوة، فإذا سئل سرا أخبر بغير ذلك. عبد الملك بن الماجشون،
وأما الجرح فيقبل سرا وعلانية، ولا يقبل التعديل بيسير المعاملة والمخالطة، ويقبل ذلك في الجرح من غير مخالطة، فقد يمر به فيطلع منه أو يسمع ما يسقط عدالته، ويحتاج التعديل إلى ثلاثة أوجه: أحدها موضع المعدل من العدالة والمعرفة والبلد، والثاني: المخالطة التي بينه وبين المعدل. والثالث: صفة الشاهد في التفقه والصدق. [ ص: 5376 ]
فأما المعدل فقال سحنون: الذي لا يخدع في عقله، ولا يستزل في رأيه. وقال لا يجوز التعديل إلا من المبرز الناقد الفطن، لا تقبل ابن كنانة: ولا من يرى تعديل كل مسلم يلزمه. تزكية الأبله،
فأما المخالطة فإنه لا يقبل التعديل بيسير المخالطة; لأنه محتاج إلى معرفة ظاهره وباطنه، ولا يدرك ذلك إلا بعد طول المخالطة; لأن شأن الناس تزيين الظاهر وكتمان عيوبه.
قال لا يقبل ذلك حتى تطول المخالطة، ويعلم باطنه كما يعلم ظاهره. يريد يعلم باطنه في غالب الأمر، ليس على أنه يقطع بذلك. محمد بن المواز:
وقال لا يزكي إلا من خالطه في الأخذ والإعطاء، فطالت صحبته إياه في السفر والحضر. سحنون:
قال الشيخ: إذا علم منه بعد المخالطة اجتناب الكذب، واجتناب الكبائر والوفاء بالأمانة، جاز أن يعدله، وإذا قال المعدل: هو عدل رضى صحت [ ص: 5377 ] العدالة.
. واختلف إذا اقتصر على إحدى الكلمتين، فقال: عدل. أو قال: رضى. هل يكون ذلك تعديلا أم لا؟ والمسألة على وجهين: فإن قال إحدى الكلمتين ولم يسأل عن الأخرى، فهو تعديل; لأن العدل ممن يرضى للشهادة، والرضى عدل، وقد ورد القرآن بقبول شهادة من وصف بإحدى الكلمتين، وإن وصفه المعدل بإحدى الكلمتين فسئل عن الأخرى فوقف، كان ذلك ريبة في تعديله، ويسأل عن السبب في وقوفه، فقد يذكر وجها لا يقدح في العدالة ويذكر وجها يريب فتوقف عنه.
وقال في كتاب محمد: إذا قال اختبرته وعاملته فما علمت إلا خيرا، أو قال: إنه لرجل صالح فاضل، وهو ثقة لا يكون ذلك تزكية، حتى يقول: هو عدل، أو أراه عدلا.
قال الشيخ: إذا كان المسئول يعلم الوجوه التي تصح بها العدالة وعلم أن السؤال عن هذا الرجل؛ لتمضى شهادته، فقال ذلك فهي عدالة، وقد أخرج ذلك في باب العدالة في قول البخاري بريرة: غير أن ضرب المسئول عن قوله عدل أو رضى إلى هذا اللفظ اليوم ريبة، وقد قال كذا. [ ص: 5378 ] (لا أعلم إلا خيرا).