فصل [في الشهادة على التاريخ]
وأما فاختلف فيها على نحو الاختلاف على ما ليس بمال والمستحق بها مال، فمن ذلك الرجل يحلف بالطلاق ليقضين فلانا حقه لأجل سماه، مضى الأجل ثم ادعى أنه قضاه قبل الأجل، فرأى الشهادة على التاريخ، [ ص: 5419 ] أن الطلاق قد وقع بمضي الأجل، فلا يرتفع حكمه إلا بما يقع به، وهو شهادة رجلين، ورأى مرة أنه يسقط بسقوط الدين، إما بإقرار الطالب بالقبض، أو يمين المطلوب عند نكول الطالب، أو بشاهد ويمين. مالك
وكذلك إذا شهد أربعة على رجل أنه وطئ أمة فلان، فزعم الواطئ أنه اشتراها من سيدها، فلم ير عليه حدا متى ثبت الملك، إما بإقرار السيد بتقدم الشراء، أو بشاهد ويمين، أو بيمين الواطئ عند نكول السيد. ابن القاسم
وقال يحد ولا يسقط الحد إلا بشهادة رجلين، ولا يسقط بإقرار السيد ولا بشاهد ويمين. أشهب:
واستحسن إذا شهد رجل وامرأتان بتقدم الشراء أن يدرأ الحد، وكذلك إذا أعتق رجل عبده، ثم أقام رجل شاهدا بدين قبل العتق، وأنه كان ابتاعه منه، فاختلف هل يرد العتق إذا حلف المشهود له؟ فهذا كله أصل واحد. فقيل: الشهادة على تقدم ذلك شهادة على مال فتمضي كالأول. وقيل: هي شهادة على وقت والوقت ليس بمال، والطلاق والعتق والوطء ليس بمال.
وأرى أن لا يطلق على الزوج; لأن القيام بالطلاق والطلاق ها هنا من باب النهي عن المنكر، والشبهة التي تقدمت في القضاء تمنع من أن يقطع أنه [ ص: 5420 ] على منكر، ولا يحد الآخر; لأن ذلك شبهة يدرأ بها الحد.
وقال -في الموطأ-: لو ادعى رجل على رجل أنه أعتق عبده بدين، وبينهما مخالطة فنكل المدعى عليه، وحلف الآخر فثبت حقه، لرد عتق العبد. وقال مالك لا يرد العتق. وهو أبين وليس بمنزلة من أقام شاهدا بدين على من أعتق عبده. ابن القاسم
وأما العبد فإنه يستحق بشهادة رجلين، ولا يستحق بشهادة رجل وامرأتين، ويستحق بشاهد واحد والقسامة، إذا كان عدلا والشاهد ها هنا لوث.
واختلف عن إذا لم يكن عدلا، فقال -في المدونة-: لا يقسم معه. وقال -في كتاب محمد-: يقسم معه. والأول أحسن، ولا يراق دم مسلم بغير عدل. [ ص: 5421 ] مالك
واختلف في هل تكون لوثا؟ فقال مرة: ليست بلوث، وقال مرة: يقسم مع امرأتين. وروى شهادة النساء بانفرادهن، عن أشهب في كتاب محمد أنه قال: يقسم مع المرأة الواحدة. وقال مالك يقسم مع جماعة النساء والصبيان، والقوم ليسوا بعدول. وأرى أن يقسم مع شهادة امرأتين عدلتين; لأنهما يوجبان من اللطخ ما يوجبه الشاهد العدل، ويقسم مع الجماعة كما قال أبو مصعب: وإن لم تكن عدالة، إلا أن تكون هناك تهمة في شهادتهم على مواطأة في ذلك، وهذا مما يعرف عند النزول. أبو مصعب،
وأجاز في المجموعة ربيعة وليس بحسن. وأجيز في كتاب محمد القسامة مع شهادة الصبي والذمي. وإن لم تكن الشهادة على المعاينة، قال: مثل ما لو عدا رجل على رجل، علانية في مثل سوق الأحد، وما أشبهه من كثرة الناس والغاشية، فقطع من حضر عليه [ ص: 5422 ] الشهادة. فرأى بعض أهل العلم إذا كثر هكذا وتظاهر أنه لوث يوجب القسامة، وبقية هذا القسم في كتاب الديات. القسامة مع شهادة السماع المستفيض،
وأما جراح العمد فاختلف فيها على ثلاثة أقوال: فأجاز في كتاب الأقضية قطع اليد بشاهد ويمين، وهذا قياس منه على القتل. وقال -في كتاب الشهادات-: كل جرح لا قصاص فيه كالجائفة والمأمومة، فإنما هو مال فلهذا جاز فيه شاهد ويمين. وهذا اختلاف قول منه; لأنه لم ير اليمين مع الشاهد إلا عند عدم القصاص.
وقال سحنون: وقيل: يجوز بشاهد ويمين فيما صغر من الجراح، ولا يجوز فيما كثر. ووجه هذا القول أن الشهادة مبنية على الجرح، فما كان له قدر وبال ألحق بالحدود. كل جرح فيه قصاص، فشهادة رجل ويمين الطالب يقتص به.
وقد اختلف في مثل هذا فقيل: فيما كان من الشتم دون القذف، يجوز فيه شاهد ويمين ويعاقب المشهود عليه لما كان في الحرمة دون القذف. وقيل: لا يجوز إلا بشهادة رجلين; لأنه مما يتعلق بالبدن. فعلى القول أنه يقتص بشاهد ويمين، يقتص بشهادة رجل وامرأتين. [ ص: 5423 ]