باب في شهادة القاذف قبل حده وبعده
وقال ابن القاسم: تجوز إذا تاب وحسنت حالته. قال شهادة القاذف والمحدود في القذف، وإن كان صالحا ازداد درجة جازت شهادته. وقد اختلف في القاذف في أربعة مواضع: مالك:
أحدها: هل تسقط شهادته بنفس القذف، أو حتى يعجز عما رمى به؟
والثاني: إذا عجز وحد، هل توبته أن ينتقل حاله إلى خير وصلاح، أو أن يرجع عن قوله؟
والثالث: إذا صحت توبته هل يقبل في القذف؟
والرابع: إذا كان متماديا على قوله هل يعد قذفا ثانيا فيحد؟
فقال شهادته جائزة حتى يحد. وقال ابن القاسم: تسقط بنفس القذف، إلا أن يثبت قوله. عبد الملك:
وأرى شهادته على الوقف فلا تمضي ولا ترد، فإن أثبت ما رمى به مضت، وإن عجز ردت. وإن قذف من هو مشهور بالفساد لم يحد له، وإن عجز عن [ ص: 5447 ] إثبات ذلك.
وفي البخاري ومسلم أن امرأة كانت تظهر السوء في الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لو كنت راجما بغير بينة لرجمتها". ابن عباس: فإذا كان الحد لصيانة الأعراض، وبلغ هذا من انتهاك حرمته إلى هذا القدر من الإعلان بحاله، لم يحد قاذفه. عن
واختلف فقال إذا حد القاذف، وسقطت شهادته في الوجه الذي يوجب قبولها. إذا ظهرت توبته وازداد درجة. قال: ولا يقال له: تب، وليس نزوعه عن قوله بنافع حتى تظهر توبته. ولا مقامه عليه بضائر في شهادته، إذا ظهرت توبته، ولا يسأل أمقيم هو أم لا؟ فمنع شهادته وإن رجع عن القول الأول إذا لم ينتقل حاله. وأجازها وإن كان مقيما عليه إذا انتقل حاله إلى خير وصلاح. مالك:
وقيل: لا تقبل شهادته إلا أن يرجع عن قوله، فيقبل وإن لم تنتقل حاله. وذكر عن البخاري أنه جلد عمر بن الخطاب: أبا بكرة وشبل بن معبد ونافعا؛ لقذف المغيرة. وقال: من تاب قبل شهادته، فلم يرجع أبو بكرة فلم تقبل شهادته.
وذكر عن أنه قال: الأمر عندنا [ ص: 5448 ] أبي الزناد بالمدينة، وعن إذا رجع القاذف عن قوله واستغفر قبلت شهادته. الشعبي مثل ذلك. وقتادة
وأرى أن يجمع بين التوبة من القول، وصلاح الحال؛ لقول الله: إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا [آل عمران: 89] فشرط الفصلين جميعا، والتوبة في الحقيقة النزوع عن القول الأول، أو الفعل إن كان فعلا، وأن لا يعود إليه، فمن كان باقيا على الذنب الذي أسقط الشهادة لم يتب وإن تبين منه الصلاح في وجه آخر، وهو بمنزلة من علم منه أنه لا يستنكف عن صنف من المعاصي، وهو في غيره على الخير والصلاح.
ويستحيل أن يكون ذلك دليلا على انتقاله، وهو مقر أنه مقيم عليه، يقول: الذي كنت قلت حق، ثم لا يكتفى منه بالرجوع عن القول دون أن يتبين انتقال حاله; لأن من علمت منه معصية لا تكون توبته فيما يتعلق بحق الناس من الشهادة، بأن يقول: تبت دون أن يتبين حاله.
وقال إذا قبلت شهادته لم ترد في شيء من الأشياء. وقال ابن القاسم: مطرف في كتاب ابن حبيب: تجوز في كل شيء [ ص: 5449 ] إلا في القذف وحده، وكذلك وابن الماجشون وتجوز في القذف واللعان، وكذلك المنبوذ لا تجوز شهادته في شيء من وجوه الزنا، لا في قذف ولا في رؤية، وكذلك قال الزاني البكر إذا حد ثم تاب، تجوز شهادته إلا في الزنا، مالك.
وتجوز في كل شيء، إلا في السرقة، وكذلك قاتل العمد يعفى عنه ثم يحسن حاله، وكذلك الشارب يحد في سكره. شهادة السارق
واختلف إذا تمادى على قوله، هل يكون كمبتدئ قذف فيعاد حده؟ وقد مضى ذلك في كتاب اللعان. [ ص: 5450 ]