واختلف فقيل: لا تقبل بينته ; لأنه كذبها بقوله: ما أودعتني; لأن مضمون قوله لم تودعني أنه لم يكن رد; لأن من لم يودع لا يرد. إذا أنكر الإيداع، فلما شهدت عليه البينة أقام البينة بالرد،
وكذلك إذا قال: ما اشتريت منك، فلما أقام عليه البينة بالشراء أقام هو عليه بينة بالدفع.
وقد قيل: يقبل قوله في الموضعين جميعا وهو أحسن; لأنه يقول: أردت أن أحلف ولا أتكلف بينة، وقد سقط قولي إني لم أودع ولم أشتر، وثبت أنه قد كان إيداع وبيع، ومن أودع أو اشترى يصح منه الرد والقضاء، وهذه البينة تشهد بذلك. وإن قال: أودعتني ألف درهم ثم قال: لم أقبضها منك لم يصدق. [ ص: 6004 ]
ولو كان القول قوله مع يمينه; لأن الشراء يقع على العقد. وقوله أودعتني يتضمن القبض، وإذا لم يقبض فلم يودع، ولو قال: أعرتني ثوبا ألبسه أو دابة أركبها، ثم قال: لم أقبض ذلك كان القول قوله مع يمينه; لأن قوله ذلك محتمل أن يكون قبض أو لم يقبض فلا يرد قوله بالشك، ولو قال: فلبسته أو ركبتها، ثم قال: لم أقبض ذلك لم يقبل قوله . قال: اشتريت منك ثوبا، ثم قال: لم أقبضه منك
ولو كان القول قوله مع يمينه. قال: آجرتني ثوبك أو دابتك، ثم قال: لم أقبض ذلك
ولو قال: بعثت معي بمائة دينار أو أبضعت ذلك معي، ثم قال: لم أقبض ذلك لم يقبل قوله، وإن قال: أقرضتني أو قارضتني لم يقبل قوله.
واختلف وقال إذا قال: أقرضتك وقال الآخر: أودعتني وقد ضاعت، القول قول الدافع ، وقال أشهب: القول قول القابض، وهذا هو الأصل; لأنه يقول: قبضت المال على أنه باق على ملكك، فكان أولى من قول من ادعى انتقال الملك. ابن القاسم:
وقول أحسن; لأن الإنسان لا يودع دنانيره ويخرجها عن بيته إلا لضرورة خوف مكان أو سلطان، فإن كان القابض ممن لا يودع في الغالب ويحتاج مثله إلى السلف كان أبين في قبول قول الدافع، وإن كان مثله يودع ونزل بالدافع بعض الأسباب التي توجب الإيداع كان القول قول القابض. [ ص: 6005 ] ابن القاسم
فإن كان القول قول القابض إلا أن يكون مثله لا يودع ويشبهه الغصب أو معروفا به، فيكون القول قول المدعي للغصب ويغرمه المال، وإن كان مثله لا يودع ولا يغصب كان القول قول المدعى عليه; لأنه بريء الذمة فلا يغرم بالشك، وإن قال: أودعتني وقال الآخر: دفعتها إليك من القرض أو القراض الذي لك قبلي - كان القول قول قال: غصبتني، وقال الآخر: أودعتني
الدافع.
وقال إن كان القرض أو القراض بغير بينة كان القول قول الدافع، وإن كان الأصل ببينة كان القول قول القابض إلا أن يكون الرد ببينة. أشهب:
قال فإن كان قبل الدافع ألفان أحدهما قرض والآخر وديعة، فقال القابض: قبضت التي هي وديعة فادفع إلي القرض، وقال الآخر: دفعت القرض وقد ضاعت الوديعة - كان القول قول الدافع ; لأنه مصدق في ذهاب الوديعة وتصير هذه المدفوعة هي الدين. ابن القاسم:
وقال إذا كان الدفع الآن ببينة كان القول قول الدافع، وإن كان بغير بينة كان القول قول القابض، والأول أحسن; لأنه يصح أن يتداين ببينة ثم يقضي بغير بينة ليشهد بعد ذلك. أشهب: