فصل [في إسقاط حكم الحرابة على من تاب منها]
تسقط عنه حكم الحرابة، لقول الله -عز وجل-: توبة المحارب قبل القدرة عليه إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم [المائدة: 34]. فإذا ظهرت توبته بترك ما كان عليه قيل لمحمد: قال: الذي هو أحب إلى وكيف تعرف توبة المحارب المسلم؟ قبل إتيانه إلى السلطان، وإن هو أظهر توبته عند جيرانه، واختلافه إلى المسجد حتى يعرف ذلك منه فذلك جائز. وقال مالك لو لم يكن إلا إتيانه إلى السلطان، فيقول: جئتك تائبا لم ينفعه، لقوله سبحانه: عبد الملك بن الماجشون: إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم .
قال محمد: واختلف إذا امتنع بنفسه حتى أعطي الأمان، هل يتم له ذلك؟ فقيل: ذلك له. وقيل: ليس ذلك لهم، ولا يعطون أمانا على ذلك، [ ص: 6146 ] ويؤخذ بحقوق الله -عز وجل-. وقال في المحارب الساعي في الأرض فسادا يمتنع وهو يطلب مثل أن يكون في مركب في البحر، أو على فرس قد امتنع، أو في حصن، أو في موضع لا يوصل إليه فيجيء على الأمان، أترى ذلك توبة؟ قال: لا، ولا أرى الأمان جائزا، كان الإمام أو غيره، وإن قال الوالي لأحدهم: لك الأمان على أن تخبرني بما قطعتم، وعلى من قطعتم، ومن كان معكم، لم يتم ذلك له، ولا يؤخذ بإقراره الذي أقر به على أن يؤمنه، لا يؤخذ به أصحابه . أصبغ
قال الشيخ -رحمه الله-: لا يكون ذلك توبة; لأنه لم يقل "إني تبت ورجعت"، وإنما سأل أمانا لا غير ذلك، فأعطيه، وأما قوله لا يؤخذ بما أقر به على نفسه، فليس بالبين.
وأرى أن يؤخذ به; لأنه وقت إقراره آمن غير مكره، وأما على أصحابه فلا . وأما الوفاء له بالعهد، فلا يوفى له به، وقد أمر الله سبحانه في عهد الحديبية بما أمر، إلا أن يرى أن هذا أحسن للناس فيمن بعد هؤلاء، فيوفى لهم بذلك. [ ص: 6147 ]