باب الحكم فيما يوجد في أيدي المحاربين إذا أقروا بالحرابة أو أنكروا
ولا يخلو المحاربون من ثلاثة أوجه: إما أن يعترفوا بالحرابة وأن المتاع الذي في أيديهم من الحرابة، أو يعترفوا بالحرابة ويدعوا أن المتاع لأنفسهم، أو ينكروا الحرابة جملة.
فإن انتزع من أيديهم وعاد المقال فيه بين أهل الرفقة، فإن ادعى كل واحد منهم شيئا وسلمه له الآخرون ، كان له، ويأخذ كل واحد ما سلم له أصحابه، وإن تنازع اثنان في شيء، تحالفا واقتسماه، وإن تناكلا، اقتسماه، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان لمن حلف منهما، وإن بقي شيء لم يدعه أحد، وقف حتى ينظر لمن هو، وإن تنازع ذلك رجلان أحدهما من أهل الرفقة والآخر من غيرها، كان لمن هو من أهل الرفقة دون الآخر. ويحلف إذا كان الآخر أتى لذلك بشبهة، فإن أقر المحاربون بالحرابة وادعوا المتاع، وقالوا: إنه كان معنا، ولم نأخذ لهم شيئا، أو ادعوا بعضه، جازت شهادة أهل الرفقة عليهم. قال اعترفوا بالحرابة وأن المتاع الذي في أيديهم أخذوه من تلك الرفقة، في المدونة: تجوز شهادتهم عليهم إذا كانوا عدولا من قتل وأخذ مال أو غير ذلك، ولا تقبل شهادة أحدهم لنفسه في مال أخذ منه . قال: وتقبل [ ص: 6151 ] شهادتهم; لأن ذلك حد من حدود الله -عز وجل-، وتقبل شهادة بعضهم لبعض بما أخذوا من أموالهم، ولا تقبل شهادة أحد منهم لنفسه أن هذا متاعه، ولا شهادته لابنه، وتقبل شهادته إذا كان معه غيره، أنه قتل ابنه أو أباه; لأنه يقتل بالحرابة لا بالقصاص، ولا عفو فيه، ولو شهد بذلك بعد أن تاب- لم تجز شهادته; لأن الحق له، وله العفو والقصاص. وأما الأجنبيون فتجوز شهادتهم قبل التوبة وبعدها، لا يتهمون في شهادة بعضهم لبعض; لأن المحاربين إن قالوا: ما قطعنا عليكم فقد أزالوا الظنة، وإن أقروا فقد صدقوهم في قطع الطريق . مالك
قال الشيخ -رحمه الله-: إذا صدقوهم في قطع الطريق وادعوا بعض ذلك أنهم لم يأخذوه منهم- لم تجز الشهادة; لأنها شهادة على العدو.
وقال في كتاب ابنه : تقبل سحنون لأنهم إنما يقطعون في المفاوز حيث لا شاهد إلا من قطعوا عليه، ولا تقبل شهادة أحدهم لنفسه، ولو قالوا كلهم عند الحاكم: قتل منا كذا وكذا، وسلب منا كذا وكذا حملا، ومن الجواري كذا، فأما الأحمال فلفلان، والثياب لفلان، والجواري لفلان، فذلك جائز، ويوجب ذلك المحاربة والقتل. وذكره عن شهادة أهل الرفقة بعضهم لبعض; مالك، وابن القاسم، قال: فإذا وأشهب، ومنهم من اشتهر اسمه [ ص: 6152 ] بالفساد ولا يعرف إلا بعينه، فإذا رآه من كان رآه عرفه، فليخرجه ويوقف ويشهر حيث يعلم أن الغرباء ينظرون إليه والمسافرون، فإذا بلغ من شهرة المحارب ما لا يكاد يخفى مثل حبس الإمام المحاربين بشهادة واحد، وشهد عليهم قوم غير عدول ولم يأت غيرهم، أبي الوليد، وسليمان، فأتى من يشهد أن هذا أبو الوليد، أو سليمان، وقالوا: لم نشهد قطعه للطريق وقتله للناس، ولا أخذ أموالهم، وقد استفاض عندنا واشتهر قطعه للطريق، وما شهر به من القتل وأخذ الأموال، فإن الإمام يقتله بهذه الشهادة، وهذا أكثر من شهادة شاهدين على العيان. وقال محمد: إن استفاض ذلك من الذكر فيهم وكثرته، أدبهم السلطان وحبسهم إذا نسبوا إلى ذلك وعرفوا به .
فإن افترق الذين أخذ منهم المتاع، ثم أتى رجل فادعى منه شيئا. قال أرى للإمام أن يقبل قوله، ولكن لا يعجل بدفع ذلك إليه، ولكن يستأني قليلا فإن لم يجئ له طالب سواه- دفعه إليه بعد أن يحلفه ويضمنه. يريد: أنه إن أتى آخر فأثبت بينة أنه له ضمنه له وإنما يدفع إلى من ادعاه بغير بينة إذا وصفه كما توصف اللقطة. مالك:
واختلف هل يدفع إليه بحميل أم لا؟ فقال في المدونة: بغير حميل . وقال مالك في كتاب ابنه: بحميل ، فإن أتى غيره بعد ذلك أخذ [ ص: 6153 ] به الحميل، ويجتهد الإمام في برهان ذلك . وفي مختصر الوقار: إن كان من أهل البلد. سحنون
قال الشيخ -رحمه الله-: وإن قال ادعى المال رجلان، تحالفا، وكان بينهما، ومن نكل، كان لمن حلف منهما. محمد: فإن نكلا لم يكن لهما فيه شيء .
قال الشيخ -رحمه الله-: نكولهما في هذه المسألة بخلاف التي قبلها إذا لم يفترق أهل الرفقة; لأنهم إذا لم يفترقوا لم يخرج المتاع عنهما، ولو ادعاه غيرهما لم يصدق، وكان الحكم أن يقسم بينهما، فإذا افترقوا ولم يعلم من كان فيها، فنكل هذان- لم يدفع إليهما، لإمكان أن يكون لغيرهما. قال محمد: قال وذلك أحب إلي أن يأخذ به حميلا كان ذلك له وإن كان غريبا ضمنه، وأشهد عليه، ولم يأخذ منه حميلا وذلك إذا أقر اللصوص أن ذلك المتاع مما قطعوا عليه وأما إن قالوا إن ذلك من أموالنا كان ذلك لهم وإن كان متاعا كثيرا لا يملكون مثله إلا أن يأتي من ادعى ذلك من هؤلاء ببينة . [ ص: 6154 ] أشهب: