[ ص: 6270 ]
كتاب الحدود في القذف
ومن المدونة: وإذا ولا يعلم ذلك إلا من قوله، قال: يحد، إلا أن يقيم البينة أنها امرأته أو جاريته، إلا أن يكون قدم بها من بلده ، فلا يحد إذا قال: هي امرأتي أو جاريتي، وأقرت له بذلك، إلا أن تقوم البينة بخلاف ذلك . شهد على رجل أنه وطئ هذه المرأة، وقال الواطئ: هي امرأتي أو جاريتي،
قال الشيخ - رضي الله عنه -: فأثبت الحد في المقيمين، ولم يحملهما على التصديق; لأن النكاح والملك لا يخفى، فإن لم تكن شبهة من شاهد أو سماع حدا ; لأنهما أتيا بما لا يشبه، وأسقط الحد باجتماع ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكونا طارئين، وقدم بها، وأقرت له، فيكونا قد تصادقا على الحلال، فإن كان أحدهما طارئا والآخر مقيما- حدا جميعا كالمقيمين; لأنه لا يخفى النكاح والملك في الإقامة.
وإن كانا طارئين ولا يعلم هل قدم بها أم لا، أو قدما مفترقين في رفقتين ، وكان نزول أحدهما على الآخر -يريد: يدعيان الزوجية والملك- لم [ ص: 6271 ] يحدا، وإن كان قدومهما معا أو مفترقا إلا أن نزولهما مفترقا -كل واحد في محلة- ولا يدعيان زوجية ولا ملكا حتى أخذا- حدا ولم يصدقا، لما تقدم من الدليل قبل ذلك على كذبهما، وإذا لم تصدقه المرأة على الزوجية ولا على الملك- حدا ; لأن الغالب صدقها وكذبه، ولأن حملهما على الزوجية أو الملك إذا تصادقا عليه لم يكن; لأن ذلك ثبت حقيقة، وإنما ذلك دراءة حد بالشبهة، لإشكال الأمر مع إمكان أن يكون زنى، فإذا كذبته ضعف قوله; لأن الغالب صدقها، ولا تتهم أن يكون ذلك حلالا، وتقول: إنه زنى، فتكشف نفسها وتلحق أهلها معرة وتجلد أو ترجم إذا اعترفت أنها ثيب. وعكسه أن تقول هي: هو زوجي، وكذبها وقال: زنيت بها- فإنهما يحدان جميعا.
وقال محمد: إذا كانا طارئين وادعت أنه زوجها، لم يقبل قولها إلا أن يقر لها أنها زوجته، فإن لم يقر لم يلحق به الولد وحدت.
وهذا مثل مذهب أنه لا يسقط الحد إلا باجتماعهما على أنه حلال، فإن قال: زنيت بها، وأتت بهذا الولد- حدا جميعا; لأنه لا يتهم أن ينفي ولده، ويجلد أو يرجم مع كونه حلالا. [ ص: 6272 ] ابن القاسم
وقال محمد في كتاب الإقرار الأول: القول قول المرأة إن كانا طارئين، ولا ينظر إلى قول الزوج أنه زنى بها; لأنها مدعية الصحة والحلال، وهو مدعي الفساد والحرام مع ما يجب عليه من الحد في قذفه إياها . وعلى قوله هذا لا يحد إذا ادعى هو الحلال، فقال: هي زوجتي أو أمتي ، فأنكرته وقالت: أنا حرة لست بأمة ولا زوجة.
ولو قال: لم أتزوجها، ولا أصبتها بحلال ولا بحرام- لم تحد هي; لأن جحوده الإصابة جملة أضعف من إقراره على نفسه بالحد، وقد علم من غير واحد أنه جحد الزوجية عندما يطلب بصداق أو غيره لم تشهد عليه البينة بذلك.