باب في الهدي والصيام عن التمتع
الأصل في ذلك قول الله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي [البقرة : 196] . وللمتعة أربعة شروط ؛ وهي :
أن يأتي بها في أشهر الحج قبل الحج ، ثم يحج من عامه قبل أن يرجع إلى بلده . فإن كانت قبل أشهر الحج ثم حج من عامه ، أو في أشهر الحج ولم يحج من عامه ، أو حج من عامه بعد أن رجع إلى بلده ، أو إلى مثله في المسافة ، أو اعتمر بعد الحج في بقية ذي الحجة- لم يكن متمتعا ، ؛ لقوله تعالى : ويجزئ من الهدي عن المتعة الشاة فما استيسر من الهدي [البقرة : 196] .
، وكذلك القران . ولا يقلد هدي المتعة إلا بعد الإحرام بالحج
واختلف إذا قلد أو أشعر قبل الإحرام بالحج ، فقال أشهب في كتاب وعبد الملك محمد : لا يجزئه . وقال : يجزئه . فلم يجزئه في القول الأول لأن المتعة إنما تجب إذا أحرم بالحج ، وإذا قلده وأشعره قبل ذلك كان تطوعا ، والتطوع لا يجزئ عن الواجب ، وأجزأ في القول الآخر قياسا على تقديم الكفارة قبل الحنث ، والزكاة إذا قرب الحول . ابن القاسم
والذي تقتضيه السنة التوسعة في جميع ذلك ، فقد مضى ذكر ذلك في مواضعه .
ومن كان في عدمه على ثلاثة أوجه : أحرم بالحج وعدم الهدي
على إياس من وجوده ، أو على يقين أنه يجده قبل الوقوف بعرفة ، أو شاك ، [ ص: 1249 ] فإن كان آيسا صام ، وصيامه موسع من حين يحرم إلى يوم عرفة ، ولا يؤخره لبعد يوم عرفة .
واختلف عن في مالك عرفة ، والاستحباب أن يستكمل الثلاث قبل يوم صيام يوم عرفة ؛ ليقوى على الذكر والدعاء .
وإن شك استحب له أن يؤخر صومه إلى آخر الوقت ؛ رجاء أن يأتي بما هو أفضل ، وهو الهدي .
وإن صام ثم وجد الهدي قبل خروج وقت الصوم أجزأه .
واختلف إذا صام على يقين أنه يجده قبل خروج وقت الصوم ، فعلى قول يجزئه الصوم ، وعلى قول ابن القاسم لا يجزئه . وهذا قياس على قولهما فيمن كان على يقين من وجود الماء قبل خروج الوقت فصلى بالتيمم ، ثم وجد الماء في الوقت . وقد تقدم وجه قوليهما في كتاب الطهارة . ابن حبيب
وآخر الوقت الذي لا يتأخر عن أن يبتدئ بالصوم فيه السابع والثامن والتاسع ، وليست هذه الأيام وقتا لالتماس الهدي ؛ لقوله تعالى : فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم [البقرة : 196] . فإذا كان الصوم قبل يوم النحر -لأنه محرم الصوم- علم أنه مطالب بالهدي والانتقال إلى الصوم قبل يوم النحر .
واستحب لمن وجد الهدي قبل أن يستكمل صيام الأيام الثلاثة أن ينتقل إلى الهدي ، وهذا يحسن لمن قدم الصوم عن الوقت المضيق ، كالذي يصلي [ ص: 1250 ] بالتيمم وسط الوقت ، وليس كالذي يؤخر الصوم إلى الوقت المضيق . مالك
ومن لم يصم قبل عرفة صام أيام التشريق ، وإن لم يفعل صام متى ذكر ، ولم يؤخر ؛ لأن الصوم كان معلقا بوقت ، فمن تركه عامدا أو ناسيا كان القضاء على الفور ؛ قياسا على الصلاة . وكذلك من لم يصم عن قرانه الثلاثة قبل عرفة صام أيام التشريق ؛ لأنه تمتع بالعمرة في أشهر الحج .
واختلف قول إذا كان الدم عن ترك النزول مالك بالمزدلفة أو المبيت بمنى أو عن بعض الجمار أو غيره مما دخل عليه بعد الوقوف بعرفة ، فرأى مرة : أنه يصوم أيام التشريق كالمتمتع ؛ لأنه مقيس عليه ثلاثة وسبعة إذا رجع . ورأى مرة : ألا يصومها ، وأن الرخصة في صيامها لمن وجب عليه الدم قبل .
وقال في كتاب محمد في فدية الأذى : لا يصومها في أيام منى . يريد : لأنه مخاطب بثلاثة أيام لا أكثر ، بخلاف المتمتع .
ولو أحرم رجل بعمرة في أيام منى ، ولم يكن أحرم بالحج فوجب عليه صوم عشرة أيام- لم يوقع الثلاثة في أيام منى ، وإنما جاءت الرخصة بصيامها للحجاج . وإن كان الدم عن فساد حج أو فوات وأتى بحجة القضاء كان [ ص: 1251 ] حكمه في الهدي والانتقال إلى صيام الثلاثة قبل الوقوف حكم المتمتع . فإن لم يصم قبل صام أيام منى على أحد قولي ، وسبعة إذا رجع . وإن صام قبل أن يتلبس بحجة القضاء كان تقدمة الصوم على الخلاف في تقدمة الهدي ، فقد قيل في تقدمته : جائز ، ويكره ، ولا يجزئ ، وكذلك الصوم . مالك
وقال فيمن عجز عن المشي : أنه يركب ويهدي ، فإذا رجع مشى المواضع التي ركبها . مالك