فكانت عنايتهم كلها بنظافة الباطن حتى قال بعضهم : أفضل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزع نعليه في صلاته بإخبار الصلاة في النعلين جبريل عليه السلام له أن بهما نجاسة وخلع الناس نعالهم قال صلى الله عليه وسلم لم خلعتم نعالكم وقال النخعي في الذين يخلعون نعالهم وددت لو أن محتاجا جاء إليها فأخذها منكرا لخلع النعال .
فهكذا كان تساهلهم في هذه الأمور بل كانوا يمشون في طين الشوارع حفاة ويجلسون عليها ويصلون في المساجد على الأرض ويأكلون من دقيق البر والشعير وهو يداس بالدواب وتبول عليه ولا يحترزون من عرق الإبل والخيل مع كثرة تمرغها في النجاسات ولم ينقل قط عن أحد منهم سؤال في دقائق النجاسات فهكذا كان تساهلهم فيها .
وقد انتهت النوبة الآن إلى طائفة يسمون الرعونة نظافة فيقولون هي مبنى الدين فأكثر أوقاتهم في تزيينهم الظواهر كفعل الماشطة بعروسها والباطن خراب مشحون بخبائث الكبر والعجب والجهل والرياء والنفاق ولا يستنكرون ذلك ولا يتعجبون منه ولو أو مشى على الأرض حافيا أو صلى على الأرض أو على بواري المسجد من غير سجادة مفروشة أو مشى على الفرش من غير غلاف للقدم من أدم أو توضأ من آنية عجوز أو رجل غير متقشف أقاموا عليه القيامة وشدوا عليه النكير ولقبوه بالقذر وأخرجوه من زمرتهم واستنكفوا عن مؤاكلته ومخالطته . اقتصر مقتصر على الاستنجاء بالحجر
فسموا البذاذة التي هي من الإيمان قذارة والرعونة نظافة فانظر كيف صار المنكر معروفا والمعروف منكرا وكيف اندرس من الدين رسمه ، كما اندرس حقيقته وعلمه .