وأما قولك إن المشهورين من العلماء هم الفقهاء والمتكلمون فاعلم أن ما ينال به الفضل عند الله شيء وما ينال به الشهرة عند الناس شيء آخر فلقد كان
nindex.php?page=treesubj&link=31136شهرة nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه بالخلافة وكان فضله بالسر الذي وقر في قلبه وكان
nindex.php?page=treesubj&link=31198شهرة nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه بالسياسة وكان فضله بالعلم بالله الذي مات تسعة أعشاره بموته وبقصده التقرب إلى الله عز وجل في ولايته وعدله وشفقته على خلقه وهو أمر باطن في سره فأما سائر أفعاله الظاهرة فيتصور صدورها من طالب الجاه والاسم والسمعة والراغب في الشهرة فتكون الشهرة فيما هو المهلك والفضل فيما هو سر لا يطلع عليه أحد فالفقهاء والمتكلمون مثل الخلفاء والقضاة والعلماء وقد انقسموا فمنهم من أراد الله سبحانه بعلمه وفتواه وذبه عن سنة نبيه ولم يطلب به رياء ولا سمعة فأولئك أهل رضوان الله تعالى وفضلهم عند الله لعملهم بعلمهم ولإرادتهم وجه الله سبحانه بفتواهم ونظرهم فإن كل علم عمل فإنه فعل مكتسب وليس كل عمل علما والطبيب يقدر على التقرب إلى الله تعالى بعلمه فيكون مثابا على علمه من حيث إنه عامل لله سبحانه وتعالى به والسلطان يتوسط بين الخلق لله فيكون مرضيا عند الله سبحانه ومثابا لا من حيث إنه متكفل بعلم الدين بل من حيث هو متقلد بعمل يقصد به التقرب إلى الله عز وجل بعلمه .
وأقسام ما يتقرب به إلى الله تعالى ثلاثة علم مجرد وهو علم المكاشفة وعمل مجرد وهو كعدل السلطان مثلا وضبطه للناس ومركب من عمل وعلم وهو علم طريق الآخرة فإن صاحبه من العلماء والعمال جميعا فانظر إلى نفسك أتكون يوم القيامة في حزب علماء الله وأعمال الله تعالى أوفى حزبيهما فتضرب بسهمك مع كل فريق منهما فهذا أهم عليك من التقليد لمجرد الاشتهار كما قيل .
خذ ما تراه ودع شيئا سمعت به في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل
على أنا سننقل من سيرة فقهاء السلف ما تعلم به أن الذين انتحلوا مذاهبهم ظلموهم وأنهم من أشد خصمائهم يوم القيامة فإنهم ما قصدوا بالعلم إلا وجه الله تعالى وقد شوهد من أحوالهم ما هو من علامات علماء الآخرة كما سيأتي بيانه في باب علامات علماء الآخرة فإنهم ما كانوا متجردين لعلم الفقه بل كانوا مشتغلين بعلم القلوب ومراقبين لها ولكن صرفهم عن التدريس والتصنيف فيه ما صرف الصحابة عن التصنيف والتدريس في الفقه مع أنهم كانوا فقهاء مستقلين بعلم الفتوى والصوارف والدواعي متيقنة ولا حاجة إلى ذكرها .
وَأَمَّا قَوْلُكَ إِنَّ الْمَشْهُورِينَ مِنَ الْعُلَمَاءِ هُمُ الْفُقَهَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ فَاعْلَمْ أَنَّ مَا يُنَالُ بِهِ الْفَضْلُ عِنْدَ اللَّهِ شَيْءٍ وَمَا يُنَالُ بِهِ الشُّهْرَةُ عِنْدَ النَّاسِ شَيْءٌ آخَرُ فَلَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=31136شُهْرَةُ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْخِلَافَةِ وَكَانَ فَضْلُهُ بِالسِّرِّ الَّذِي وَقَرَ فِي قَلْبِهِ وَكَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=31198شُهْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالسِّيَاسَةِ وَكَانَ فَضْلُهُ بِالْعِلْمِ بِاللَّهِ الَّذِي مَاتَ تِسْعَةُ أَعْشَارِهِ بِمَوْتِهِ وَبِقَصْدِهِ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي وِلَايَتِهِ وَعَدْلِهِ وَشَفَقَتِهِ عَلَى خَلْقِهِ وَهُوَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فِي سِرِّهِ فَأَمَّا سَائِرُ أَفْعَالِهِ الظَّاهِرَةِ فَيُتَصَوَّرُ صُدُورُهَا مِنْ طَالِبِ الْجَاهِ وَالِاسْمِ وَالسُّمْعَةِ وَالرَّاغِبِ فِي الشُّهْرَةِ فَتَكُونُ الْشُّهْرَةُ فِيمَا هُوَ الْمَهْلَكُ وَالْفَضْلُ فِيمَا هُوَ سِرٌّ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَالْفُقَهَاءُ وَالْمُتَكَلِّمُونَ مِثْلُ الْخُلَفَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَقَدِ انْقَسَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ أَرَادَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِعِلْمِهِ وَفَتْوَاهُ وَذَبِّهِ عَنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ وَلَمْ يَطْلُبْ بِهِ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً فَأُولَئِكَ أَهْلُ رَضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَفَضْلُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ لِعَمَلِهِمْ بِعِلْمِهِمْ وَلِإِرَادَتِهِمْ وَجْهَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِفَتْوَاهُمْ وَنَظَرِهِمْ فَإِنَّ كُلَّ عِلْمٍ عُمِلَ فَإِنَّهُ فِعْلٌ مُكْتَسَبٌ وَلَيْسَ كُلُّ عَمَلٍ عِلْمًا وَالطَّبِيبُ يَقْدِرُ عَلَى التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِعِلْمِهِ فَيَكُونُ مُثَابًا عَلَى عِلْمِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ عَامِلٌ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهِ وَالسُّلْطَانُ يَتَوَسَّطُ بَيْنَ الْخَلْقِ لِلَّهِ فَيَكُونُ مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَمُثَابًا لَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُتَكَفِّلٌ بِعِلْمِ الدِّينِ بَلْ مِنْ حَيْثُ هُوَ مُتَقَلِّدٌ بِعَمَلٍ يُقْصَدُ بِهِ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِعِلْمِهِ .
وَأَقْسَامُ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةٌ عِلْمٌ مُجَرَّدٌ وَهُوَ عِلْمُ الْمُكَاشَفَةِ وَعَمَلٌ مُجَرَّدٌ وَهُوَ كَعَدْلِ السُّلْطَانِ مَثَلًا وَضَبْطِهِ لِلنَّاسِ وَمُرَكَّبٌ مِنْ عَمَلٍ وَعِلْمٍ وَهُوَ عِلْمُ طَرِيقِ الْآخِرَةِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْعُمَّالِ جَمِيعًا فَانْظُرْ إِلَى نَفْسِكَ أَتَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي حِزْبِ عُلَمَاءِ اللَّهِ وَأَعْمَالِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْفَى حِزْبَيْهِمَا فَتَضْرِبُ بِسَهْمِكَ مَعَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا فَهَذَا أَهَمُّ عَلَيْكَ مِنَ التَّقْلِيدِ لِمُجَرَّدِ الِاشْتِهَارِ كَمَا قِيلَ .
خُذْ مَا تَرَاهُ وَدَعْ شَيْئًا سَمِعْتَ بِهِ فِي طَلْعَةِ الشَّمْسِ مَا يُغْنِيكَ عَنْ زُحَلِ
عَلَى أَنَا سَنَنْقُلُ مِنْ سِيرَةِ فُقَهَاءِ السَّلَفِ مَا تَعْلَمُ بِهِ أَنَّ الَّذِينَ انْتَحَلُوا مَذَاهِبَهُمْ ظَلَمُوهُمْ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَشَدِّ خُصَمَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُمْ مَا قَصَدُوا بِالْعِلْمِ إِلَّا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ شُوهِدَ مِنْ أَحْوَالِهِمْ مَا هُوَ مِنْ عَلَامَاتِ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ عَلَامَاتِ عُلَمَاءِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهُمْ مَا كَانُوا مُتَجَرِّدِينَ لِعِلْمِ الْفِقْهِ بَلْ كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِعِلْمِ الْقُلُوبِ وَمُرَاقَبِينَ لَهَا وَلَكِنْ صَرَفَهُمْ عَنِ التَّدْرِيسِ وَالتَّصْنِيفِ فِيهِ مَا صَرَفَ الصَّحَابَةَ عَنِ التَّصْنِيفِ وَالتَّدْرِيسِ فِي الْفِقْهِ مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا فُقَهَاءَ مُسْتَقِلِّينَ بِعِلْمِ الْفَتْوَى وَالصَّوَارِفِ وَالدَّوَاعِي مُتَيَقِّنَةً وَلَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِهَا .