الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وكذا فرائض الثانية أربعة إلا أنه يجب فيها الدعاء بدل القراءة   .

التالي السابق


(وكذا فرائض) الخطبة (الثانية أربع) مثل الأولى (ألا أنه لا يجب فيها الدعاء) للمؤمنين (بدل القراءة) قال الرافعي : ثم إن هذه الأركان الثلاثة لا بد منها في كل واحدة من الخطبتين ، ولنا وجه أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - في إحداهما كافية ، وهو شاذ ، والدعاء للمؤمنين ركن على الصحيح ، والثاني لا يجب ، وحكى عن نصه في الإملاء ، وإذا قلنا بالصحيح ، فهو مخصوص بالثانية ، فلو دعا في الأولى لم تحسب ، ويكفي ما يقع عليه الاسم .

قال إمام الحرمين : وأرى أنه يجب أن يكون متعلقا بأمور الآخرة ، وأنه لا بأس بتخصيصه بالسامعين بأن يقول : رحمكم الله . قال الرافعي : واختلفوا في محل القراءة على ثلاثة أوجه ؛ أصحها - ونص عليه في الأم - تجب في إحداهما لا بعينها ، والثاني : تجب فيهما ، والثالث : تجب في الأولى خاصة ، وهو ظاهر نصه في المختصر ، ونقل النووي ، عن الدارمي أنه يستحب أن يقرأ في الخطبة الأولى سورة ق . قال : والمراد قراءتها بكمالها لاشتمالها على أنواع المواعظ . أهـ .

قلت : وعند أصحابنا قراءة القرآن في الخطبة من جملة سننها ، وذكر أنه - صلى الله عليه وسلم - قرأ في خطبته واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ، وروي أنه قرأ : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا ، وروي أنه قرأ : ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك ، وروي أنه قرأ : إذا زلزلت الأرض قالوا : وإذا قرأ سورة تامة يتعوذ ، ثم يسمي قبله ، وإن قرأ آية قيل : يتعوذ ، ثم يسمي ، وقيل : يتعوذ ، ولا يسمي ، وهو الأكثر ، ثم قال الرافعي : ولا تدخل القراءة في الأركان المذكورة حتى لو قرأ آية فيها موعظة ، وقصد إيقاعها عن الجهتين لم يجز ، ولا يجوز أن يأتي بآيات تشتمل على الأركان المطلوبة ؛ لأن ذلك لا يسمى خطبة ، ولو أتى ببعضها في ضمن آية لم يمتنع ، وهل يشترط كون الخطبة كلها بالعربية ، وجهان ؛ الصحيح اشتراطه ، فإن لم يكن فيهم من يحسن العربية خطب بغيرها ، ويجب عليهم التعليم ، وإلا عصوا ، ولا جمعة لهم .



(فصل)

وعن أبي حنيفة يصح الاقتصار في الخطبة على ذكر خالص لله تعالى نحو تسبيحه ، أو تهليله ، أو تكبيره مع الكراهة ، وهي التي يعتد بها ، ويجزئ هذا الذكر عن الخطبتين ، ولا يحتاج إلى تسبيحتين ، وعن مالك روايتان كالمذهبين ، وقال أبو يوسف ، ومحمد : لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة . قيل : وأقله قدر التشهد إلى قوله : عبده ورسوله حمد ، وصلاة ، ودعاء للمسلمين ، ودليل أبي حنيفة قوله تعالى : فاسعوا إلى ذكر الله ، فلم يفصل بين كونه ذكرا طويلا أو لا ، فكان الشرط الذكر الأعم بالدليل القاطع ، غير أن المأثور عنه - صلى الله عليه وسلم - اختيار أحد الفردين أعني الذكر المسمى بالخطبة ، والمواظبة عليه ، فكان ذلك واجبا ، أو سنة ؛ لأنه الشرط الذي لا يجزئ غيره إذ لا يكون بيانا ؛ لأن الدليل - وهو لفظ الذكر المأمور بالسعي إليه - ليس مجملا ليقع فعله - صلى الله عليه وسلم - بيانا للمجمل ، فلم يكن فرضا تنزيلا للمشروعات على حسب أدلتها ، ويؤيده ما رواه قاسم بن ثابت السرقسطي في غريب الحديث ، عن عثمان - رضي الله عنه - أنه صعد المنبر ، فقال : الحمد لله فارتج عليه ، فقال : إن أول كل مركب صعب ، وإن أبا بكر ، وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا ، وأنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال ، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله تعالى ، وأستغفر الله لي ، ولكم ، ونزل صلى بهم ، ولم ينكر عليه أحد منهم ، فكان إجماعا منهم على عدم اشتراطها ، وعلى كون الحمد لله يسمى خطبة لغة ، وإن لم يسم به عرفا . والله أعلم .




الخدمات العلمية