الوظيفة الأولى : وأن يجريهم مجرى بنيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الشفقة على المتعلمين لولده بأن يقصد إنقاذهم من نار الآخرة وهو أهم من إنقاذ الوالدين ولدهما من نار الدنيا ولذلك صار حق المعلم أعظم من حق الوالدين فإن الوالد سبب الوجود الحاضر والحياة الفانية والمعلم سبب الحياة الباقية . إنما أنا لكم مثل الوالد
ولولا المعلم لانساق ما حصل من جهة الأب إلى الهلاك الدائم ، وإنما المعلم هو المفيد للحياة الأخروية الدائمة أعني معلم علوم الآخرة أو علوم الدنيا على قصد الآخرة لا على قصد الدنيا فأما التعليم على قصد الدنيا فهو هلاك وإهلاك نعوذ بالله منه .
وكما أن حق أبناء الرجل الواحد أن يتحابوا ويتعاونوا على المقاصد كلها فكذلك حق تلامذة الرجل الواحد التحاب والتوادد ولا يكون إلا كذلك إن كان مقصدهم الآخرة ولا يكون إلا التحاسد والتباغض إن كان مقصدهم الدنيا فإن العلماء وأبناء الآخرة مسافرون إلى الله تعالى وسالكون إليه الطريق من الدنيا وسنوها وشهورها منازل الطريق والترافق في الطريق بين المسافرين إلى الأمصار سبب التواد والتحاب فكيف السفر إلى الفردوس الأعلى والترافق في طريقه ولا ضيق في سعادة الآخرة فلذلك لا يكون بين أبناء الآخرة تنازع ولا سعة في سعادات الدنيا فلذلك لا ينفك عن ضيق التزاحم .
والعادلون إلى طلب الرياسة بالعلوم خارجون عن موجب قوله تعالى : إنما المؤمنون إخوة وداخلون في مقتضى قوله تعالى :
الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين .