التاسع الترقي وأعني به أن يترقى إلى أن يسمع الكلام من الله عز وجل لا من نفسه أدناها ان يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله عز وجل واقفا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه فيكون حاله عند هذا التقدير السؤال ، والتملق ، والتضرع ، والابتهال . فدرجات القراءة ثلاث
الثانية أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ، ويخاطبه بألطافه ، ويناجيه بإنعامه وإحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم .
الثالثة أن يرى في الكلام المتكلم ، وفي الكلمات الصفات فلا ينظر إلى نفسه ، ولا إلى قراءته ، ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه بل يكون مقصور الهم على المتكلم موقوف الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن غيره .
وهذه درجة المقربين وما قبله درجة أصحاب اليمين وما خرج عن هذا فهو درجات الغافلين .
وعن الدرجة العليا أخبر جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنه قال : والله لقد تجلى الله عز وجل لخلقه في كلامه ، ولكنهم لا يبصرون وقال أيضا ، وقد سألوه عن حالة لحقته في الصلاة حتى خر مغشيا عليه فلما سري عنه قيل له في ذلك ، فقال : ما زلت أردد الآية على قلبي حتى سمعتها من المتكلم بها فلم يثبت جسمي لمعاينة قدرته ففي مثل هذه الدرجة تعظم الحلاوة ولذة المناجاة ولذلك قال بعض الحكماء كنت أقرأ القرآن فلا أجد له حلاوة حتى تلوته كأني أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوه على أصحابه ثم رفعت إلى مقام فوقه كنت أتلوه كأني أسمعه من جبريل عليه السلام يلقيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم جاء الله بمنزلة أخرى ، فأنا الآن أسمعه من المتكلم به فعندها ، وجدت له لذة ، ونعيما لا أصبر عنه .
وقال عثمان وحذيفة رضي الله عنهما لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن وإنما قالوا ذلك لأنها بالطهارة تترقى إلى مشاهدة المتكلم في الكلام ولذلك قال كابدت القرآن عشرين سنة وتنعمت به عشرين سنة وبمشاهدة المتكلم دون ما سواه يكون العبد ممتثلا لقوله عز وجل ثابت البناني : ففروا إلى الله ولقوله : ولا تجعلوا مع الله إلها آخر فمن لم يره في كل شيء فقد رأى غيره ، وكل ما التفت إليه العبد سوى الله تعالى تضمن التفاته شيئا من الشرك الخفي بل التوحيد الخالص أن لا يرى في كل شيء إلا الله عز وجل .