ومنها أن يكون حزينا منكسرا مطرقا صامتا يظهر أثر الخشية على هيئته وكسوته وسيرته وحركته وسكونه ونطقه وسكوته لا ينظر إليه ناظر إلا وكان نظره مذكرا لله تعالى وكانت صورته دليلا على عمله فالجواد عينه مرآته وعلماء في السكينة والذلة والتواضع وقد قيل : ما ألبس الله عبدا لبسة أحسن من خشوع في سكينة فهي لبسة الأنبياء وسيما الصالحين والصديقين والعلماء وأما التهافت في الكلام والتشدق والاستغراق في الضحك والحدة في الحركة والنطق فكل ذلك من آثار البطر والأمن والغفلة عن عظيم عقاب الله تعالى وشديد سخطه وهو دأب أبناء الدنيا الغافلين عن الله دون العلماء به وهذا لأن العلماء ثلاثة كما قال سهل التستري رحمه الله عالم بأمر الله تعالى لا بأيام الله ، وهم المفتون في الحلال والحرام وهذا العلم لا يورث الخشية وعالم بالله تعالى لا بأمر الله ولا بأيام الله ، وهم عموم المؤمنين وعالم بالله تعالى وبأمر الله ، تعالى وبأيام الله تعالى وهم الصديقون والخشية والخشوع إنما تغلب عليهم وأراد بأيام الله أنواع عقوباته الغامضة ونعمه الباطنة التي أفاضها على القرون السالفة واللاحقة فمن أحاط علمه بذلك عظم خوفه ، وظهر خشوعه . الآخرة يعرفون بسيماهم
وقال عمر رضي الله عنه : تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والوقار والحلم ، وتواضعوا لمن تتعلمون منه ، وليتواضع لكم من يتعلم منكم ، ولا تكونوا من جبابرة العلماء فلا يقوم علمكم بجهلكم .
ويقال : ما آتى الله عبدا علما إلا آتاه معه حلما وتواضعا وحسن خلق ورفقا فذلك هو العلم النافع .
وفي الأثر من آتاه الله علما وزهدا وتواضعا وحسن خلق فهو إمام المتقين .
وفي الخبر إن من خيار أمتي قوما يضحكون جهرا من سعة رحمة الله ، ويبكون سرا من خوف عذابه أبدانهم في الأرض وقلوبهم في السماء أرواحهم في الدنيا وعقولهم في الآخرة يتمشون بالسكينة ويتقربون بالوسيلة وقال الحسن الحلم وزير العلم ، والرفق أبوه ، والتواضع سرباله .
وقال بشر بن الحارث من طلب الرياسة بالعلم ، فتقرب إلى الله تعالى ببغضه فإنه ممقوت في السماء والأرض .
ويروى في الإسرائيليات أن حكيما صنف ثلثمائة وستين مصنفا في الحكمة حتى وصف بالحكيم ، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم : قل لفلان : قد ملأت الأرض نفاقا ولم تردني من ذلك بشيء وإني لا أقبل من نفاقك شيئا فندم الرجل ، وترك ذلك وخالط العامة في الأسواق ، وواكل بني إسرائيل وتواضع في نفسه ، فأوحى الله تعالى إلى نبيهم قل له : الآن وفقت لرضاي .
وحكى الأوزاعي رحمه الله عن بلال بن سعد أنه كان يقول : ينظر أحدكم إلى الشرطي فيستعيذ بالله منه ، وينظر إلى المتشوفين إلى الرياسة فلا يمقتهم وهم أحق بالمقت من ذلك الشرطي . علماء الدنيا المتصنعين للخلق
وروي أنه قيل : " يا رسول الله ، أي الأعمال أفضل ؟ قال : اجتناب المحارم ، ولا يزال فوك رطبا من ذكر الله تعالى "، قيل : فأي الأصحاب خير ؟ قال صلى الله عليه وسلم : " صاحب إن ذكرت الله أعانك ، وإن نسيته ذكرك "، قيل : فأي الأصحاب شر ؟ قال صلى الله عليه وسلم : صاحب إن نسيت لم يذكرك ، وإن ذكرت لم يعنك ، قيل : فأي الناس أعلم ؟ قال : أشدهم لله خشية ، قيل : فأخبرنا بخيارنا نجالسهم ؟ قال صلى الله عليه وسلم : الذين إذا رؤوا ذكر الله قيل : فأي الناس شر ؟ قال : اللهم غفرا قالوا : أخبرنا يا رسول الله قال : العلماء إذا فسدوا وقال صلى الله عليه وسلم : إن أكثر الناس أمانا يوم القيامة أكثرهم فكرا في الدنيا ، وأكثر الناس ضحكا في الآخرة أكثرهم بكاء في الدنيا ، وأشد الناس فرحا في الآخرة أطولهم حزنا في الدنيا وقال في خطبة له : ذمتي رهينة وأنا به زعيم إنه لا يهيج على التقوى زرع قوم ولا يظمأ على الهدى سنخ أصل وإن أجهل الناس من لا يعرف قدره وإن أبغض الخلق إلى الله تعالى رجل قمش علما أغار به في أغباش الفتنة سماه أشباه له من الناس وأرذالهم عالما ولم يعش في العلم يوما سالما تكثر واستكثر فما قل منه وكفى خير مما كثر وألهى حتى إذا ارتوى من ماء آجن وأكثر من غير طائل جلس للناس معلما لتخليص ما التبس على غيره فإن نزلت به إحدى المهمات هيأ لها من رأيه حشو الرأي فهو ومن قطع الشبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أخطأ أم أصاب ركاب جهالات خباط عشوات لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعض على العلم بضرس قاطع فيغنم تبكي منه الدماء وتستحل بقضائه الفروج الحرام لا مليء والله بإصدار ما ورد عليه ولا هو أهل لما فوض إليه، أولئك الذين حلت عليهم المثلات وحقت عليهم النياحة والبكاء أيام حياة الدنيا . علي رضي الله عنه
وقال رضي الله عنه : إذا سمعتم العلم فاكظموا عليه ، ولا تخلطوه بهزل فتمجه القلوب . علي
وقال بعض السلف العالم إذا : ضحك ضحكة مج من العلم مجة .
وقيل إذا جمع المعلم ثلاثا تمت النعمة بها على المتعلم الصبر والتواضع وحسن الخلق وإذا جمع المتعلم ثلاثا تمت النعمة بها على المعلم العقل والأدب وحسن الفهم .
وعلى الجملة فالأخلاق التي ورد بها القرآن لا ينفك عنها علماء الآخرة لأنهم يتعلمون القرآن للعمل لا للرياسة .
وقال رضي الله عنهما لقد : عشنا برهة من الدهر وإن أحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن ، وتنزل السورة فيتعلم حلالها ، وحرامها وأوامرها وزواجرها ، وما ينبغي أن يقف عنده منها ، ولقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان ، فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته يدري ما آمره وما ، زاجره ، وما ينبغي أن يقف عنده ينثره ، الدقل . ابن عمر
وفي خبر آخر بمثل معناه كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتينا الإيمان قبل القرآن وسيأتي ، بعدكم قوم يؤتون القرآن قبل الإيمان يقيمون حروفه ويضيعون حدوده وحقوقه ، يقولون قرأنا فمن أقرأ منا وعلمنا فمن أعلم منا فذلك حظهم وفي لفظ أولئك شرار هذه الأمة .