فالناكح ساع في إتمام ما أحب الله تعالى تمامه والمعرض معطل ومضيع لما كره الله ضياعه ولأجل محبة الله تعالى لبقاء النفوس أمر بالإطعام وحث عليه وعبر عنه بعبادة القرض فقال : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا . فإن قلت : قولك : إن بقاء النسل والنفس محبوب يوهم أن فناءها مكروه عند الله وهو فرق بين الموت والحياة بالإضافة إلى إرادة الله تعالى ومعلوم أن الكل بمشيئة الله وأن الله غني عن العالمين فمن أين يتميز عنده موتهم عن حياتهم أو بقاؤهم عن فنائهم فاعلم ؟ أن هذه الكلمة حق أريد بها باطل فإن ما ذكرناه لا ينافي إضافة الكائنات كلها إلى خيرها وشرها ونفعها وضرها ولكن المحبة والكراهية يتضادان وكلاهما لا يضادان الإرادة فرب مراد مكروه ورب مراد محبوب ، فالمعاصي مكروهة ، وهي مع الكراهة مرادة والطاعات مرادة ومزمع كونها مرادة محبوبة ومرضية أما الكفر والشر فلا نقول : إنه مرضي ومحبوب ، بل هو مراد . إرادة الله
وقد قال الله تعالى ولا يرضى لعباده الكفر فكيف يكون الفناء بالإضافة إلى محبة الله وكراهته كالبقاء فإنه تعالى يقول ما : "
" فقوله لا : " بد له من الموت " إشارة إلى سبق الإرادة والتقدير المذكور في قوله تعالى نحن قدرنا بينكم الموت وفي قوله تعالى : ترددت في شيء كترددي في قبض روح عبدي المسلم هو يكره الموت وأنا أكره مساءته ، ولا بد له من الموت . الذي خلق الموت والحياة ولا مناقضة بين قوله تعالى نحن قدرنا بينكم الموت وبين قوله : " وأنا أكره مساءته " ولكن إيضاح الحق في هذا يستدعي تحقيق معنى الإرادة والمحبة والكراهة وبيان حقائقها ، فإن السابق إلى الإفهام منها أمور تناسب إرادة الخلق ومحبتهم وكراهتهم . وهيهات فبين صفات الله تعالى وصفات الخلق من البعد ما بين ذاته العزيز وذاتهم ، وكما أن ذوات الخلق جوهر وعرض وذات الله مقدس عنه ، ولا يناسب ما ليس بجوهر وعرض الجوهر والعرض ، فكذا صفاته لا تناسب صفات الخلق وهذه الحقائق داخلة في علم المكاشفة ووراء سر القدر الذي منع من إفشائه فلنقصر عن ذكره ولنقتصر على ما نبهنا عليه من الفرق بين الإقدام على النكاح والإحجام عنه ، فإن أحدهما مضيع نسلا أدام الله وجوده من آدم صلى الله عليه وسلم عقبا بعد عقب إلى أن انتهى إليه ، فالممتنع عن النكاح قد حسم الوجود المستدام من لدن وجود آدم عليه السلام على نفسه فمات أبتر لا عقب له