الفائدة الثانية : وغض البصر وحفظ الفرج وإليه الإشارة بقوله عليه السلام : التحصن من الشيطان وكسر التوقان ودفع غوائل الشهوة " من نكح فقد حصن نصف دينه فليتق الله في الشطر الآخر " وإليه الإشارة بقوله : وأكثر ما نقلناه من الآثار والأخبار إشارة إلى هذا المعنى وهذا المعنى دون الأول لأن الشهوة موكلة بتقاضي تحصيل الولد فالنكاح ، كاف لشغله دافع لجعله وصارف لشر سطوته ، وليس من يجيب مولاه رغبة في تحصيل رضاه كمن يجيب لطلب الخلاص عن غائلة التوكيل فالشهوة والولد مقدران وبينهما ارتباط وليس يجوز أن يقال المقصود اللذة والولد لازم منها كما يلزم مثلا قضاء الحاجة من الأكل وليس مقصودا في ذاته بل الولد هو المقصود بالفطرة والحكمة والشهوة باعثة عليه ولعمري في الشهوة حكمة أخرى سوى الإرهاق إلى الإيلاد وهو ما في قضائها من اللذة التي لا توازيها لذة لو دامت فهي منبهه على اللذات الموعودة في الجنان إذ الترغيب في لذة لم يجد لها ذواقا لا ينفع ، فلو رغب العنين في لذة الجماع أو الصبي في لذة الملك والسلطنة لم ينفع الترغيب وإحدى فوائد لذات الدنيا الرغبة في دوامها في الجنة ليكون باعثا على عبادة الله . " عليكم بالباءة فمن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإن الصوم له وجاء "
فانظر إلى الحكمة ثم إلى الرحمة ثم إلى التعبية الإلهية كيف عبيت تحت شهوة واحدة حياتان حياة ظاهرة وحياة باطنة ، فالحياة الظاهرة حياة المرء ببقاء نسله ، فإنه نوع من دوام الوجود والحياة الباطنة هي الحياة الأخروية ، فإن هذه اللذة الناقصة بسرعة الانصرام تحرك الرغبة في اللذة الكاملة بلذة الدوام فيستحث على العبادة الموصلة إليها فيستفيد العبد بشدة الرغبة فيها تيسر المواظبة على ما يوصله إلى نعيم الجنان وما من ذرة من ذرات بدن الإنسان باطنا وظاهرا بل ذرات ملكوت السماوات والأرض إلا وتحتها من لطائف الحكمة وعجائبها ما تحار العقول فيها ولكن إنما ينكشف للقلوب الطاهرة بقدر صفائها بقدر رغبتها عن زهرة الدنيا وغرورها وغوائلها