وقال صلى الله عليه وسلم : لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير من أن يأتي رجلا ، أعطاه الله من فضله فيسأله له ، أعطاه أو منعه .
وقال : من فتح على نفسه بابا من السؤال ، فتح الله عليه سبعين بابا من الفقر .
وأما الآثار فقد قال لقمان الحكيم لابنه يا : بني استغن بالكسب الحلال عن الفقر ، فإنه ما افتقر أحد قط ، إلا أصابه ثلاث خصال : رقة في دينه وضعف في عقله وذهاب مروءته وأعظم من هذه الثلاث : استخفاف الناس به .
وقال عمر رضي الله عنه : لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق يقول : اللهم ارزقني ، فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة .
وكان زيد بن مسلمة يغرس في أرضه فقال له عمر رضي الله عنه : أصبت ، استغن عن الناس ، يكن أصون لدينك وأكرم لك عليهم كما ، قال صاحبكم أحيحة .
فلن أزال على الزوراء أغمرها إن الكريم على الإخوان ذو المال
وقال إني لأكره أن أرى الرجل فارغا لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته . ابن مسعود رضي الله عنه، وسئل إبراهيم عن التاجر الصدوق ، أهو أحب إليك ، أم المتفرغ للعبادة ؟ قال : أحب إلي ; لأنه في جهاد ، يأتيه الشيطان من طريق المكيال والميزان ، ومن قبل الأخذ والعطاء ، فيجاهده وخالفه التاجر الصدوق في هذا . الحسن البصري
وقال عمر رضي الله عنه : ما من موضع يأتيني الموت فيه ، أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي ، أبيع وأشتري .
وقال الهيثم ربما يبلغني عن الرجل يقع في فأذكر استغنائي عنه ، فيهون ذلك علي .
وقال أيوب كسب فيه شيء أحب إلي من سؤال الناس .
وجاءت ريح عاصفة في البحر ، فقال أهل السفينة وكان معهم فيها : أما ترى هذه الشدة فقال ما : هذه الشدة وإنما ، الشدة : الحاجة إلى الناس . لإبراهيم بن أدهم رحمه الله
وقال أيوب قال لي أبو قلابة الزم السوق فإن الغنى من العافية يعني : الغنى عن الناس .
وقيل لأحمد ما تقول فيمن جلس في بيته ، أو مسجده وقال : لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي فقال هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : أحمد إن الله جعل رزقي تحت ظل رمحي .
وقوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الطير ، فقال تغدو : خماصا وتروح بطانا .
فذكر أنها تغدو في طلب الرزق وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر ، والبحر ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم .
وقال أبو قلابة لرجل لأن أراك تطلب معاشك أحب إلي من أن أراك في زاوية المسجد .
وروي أن لقي الأوزاعي رحمهم الله وعلى عنقه حزمة حطب فقال له : يا إبراهيم بن أدهم أبا إسحق إلى متى هذا إخوانك يكفونك فقال دعني عن هذا يا أبا عمرو فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلة في طلب الحلال ، وجبت له الجنة .
وقال ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يقوت لك ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد . أبو سليمان الداراني
وقال رضي الله عنه ينادي : مناد يوم القيامة أين بغضاء الله في أرضه فيقوم سؤال المساجد فهذه مذمة الشرع للسؤال والاتكال على كفاية الأغيار . معاذ بن جبل ،
ومن ليس له مال موروث فلا ينجيه من ذلك إلا : الكسب والتجارة .
فإن قلت : فقد قال صلى الله عليه وسلم : ما أوحي إلي أن أجمع المال وكن من التاجرين ، ولكن أوحي إلي : أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين
واعبد ربك حتى يأتيك اليقين . وقيل : أوصنا ، فقال : من استطاع منكم أن يموت حاجا أو غازيا أو عامرا لمسجد ربه فليفعل ، ولا يموتن تاجرا ولا خائنا فالجواب : أن وجه الجمع بين هذه الأخبار تفصيل الأحوال ، فنقول : لسنا نقول: التجارة أفضل مطلقا من كل شيء ، ولكن التجارة إما أن تطلب بها الكفاية أو الثروة أو الزيادة على الكفاية فإن طلب منها الزيادة على الكفاية لاستكثار المال وادخاره ، لا ليصرف إلى الخيرات والصدقات فهي مذمومة لأنه إقبال على الدنيا ، التي حبها رأس كل خطيئة فإن كان مع ذلك ظالما خائنا فهو ظلم وفسق ، وهذا ما أراده لسلمان الفارسي بقوله : لا تمت تاجرا ، ولا خائنا وأراد بالتاجر : طالب الزيادة فأما إذا طلب بها الكفاية لنفسه ، وأولاده وكان يقدر على كفايتهم بالسؤال فالتجارة تعففا عن السؤال أفضل وإن كان لا يحتاج إلى السؤال ، وكان يعطى عن غير سؤال ، فالكسب أفضل لأنه إنما يعطى ; لأنه سائل بلسان حاله ومناد بين الناس بفقره فالتعفف والتستر أوفى من ، البطالة بل من الاشتغال بالعبادات البدنية وترك الكسب أفضل لأربعة عابد بالعبادات البدنية أو رجل له سير بالباطن وعمل بالقلب في علوم الأحوال والمكاشفات أو عالم مشتغل بتربية علم الظاهر ، مما ينتفع الناس به في دينهم كالمفتي والمفسر ، والمحدث ، وأمثالهم أو رجل مشتغل بمصالح المسلمين وقد تكفل بأمورهم كالسلطان والقاضي والشاهد ، فهؤلاء إذا كانوا يكفون من الأموال المرصدة للمصالح أو الأوقاف المسبلة على الفقراء أو العلماء . سلمان
فإقبالهم على ما هم فيه أفضل من اشتغالهم بالكسب ; ولهذا أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن : سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، ولم يوح إليه أن كن من التاجرين ; لأنه كان جامعا لهذه المعاني الأربعة إلى زيادات لا يحيط بها الوصف ولهذا أشار الصحابة على بترك التجارة لما ولي الخلافة ; إذ كان ذلك يشغله عن المصالح وكان يأخذ كفايته من مال المصالح ورأى ذلك أولى ثم لما توفي أوصى برده إلى بيت المال ، ولكنه رآه في الابتداء أولى ولهؤلاء الأربعة حالتان أخريان . أبي بكر رضي الله عنهم
إحداهما أن تكون كفايتهم عند ترك المكسب من أيدي الناس ، وما يتصدق به عليهم من زكاة أو صدقة من غير حاجة إلى سؤال فترك الكسب والاشتغال بما هم فيه أولى ، ; إذ فيه إعانة الناس على الخيرات وقبول منهم لما هو حق عليهم وأفضل ، لهم .
الحالة الثانية : الحاجة إلى السؤال ، وهذا في محل النظر والتشديدات التي رويناها في السؤال ، وذمه تدل ظاهرا على أن التعفف عن السؤال أولى وإطلاق القول فيه من غير ملاحظة الأحوال والأشخاص عسير بل هو موكول إلى اجتهاد العبد ، ونظره لنفسه ، بأن يقابل ما يلقي في السؤال من المذلة وهتك المروءة ، والحاجة إلى التثقيل ، والإلحاح بما يحصل من اشتغاله بالعلم والعمل ، من الفائدة له ، ولغيره فرب شخص تكثر فائدة الخلق ، وفائدته في اشتغاله بالعلم ، أو العمل ، ويهون عليه بأدنى تعريض في السؤال تحصيل الكفاية وربما يكون بالعكس ، وربما يتقابل المطلوب والمحذور فينبغي أن يستفتي المريد فيه قلبه وإن أفتاه المفتون فإن الفتاوى لا تحيط بتفاصيل الصور ودقائق الأحوال ولقد كان في السلف ، من له ثلاثمائة وستون صديقا ، ينزل على كل واحد منهم ليلة ومنهم من له ثلاثون وكانوا يشتغلون بالعبادة لعملهم بأن المتكلفين بهم يتقلدون منة من قبولهم لمبراتهم ، فكان قبولهم لمبراتهم خيرا مضافا لهم إلى عباداتهم فينبغي أن يدقق النظر في هذه الأمور ، فإن أجر الآخذ كأجر المعطي مهما كان الآخذ يستعين به على الدين والمعطي ، يعطيه عن طيب قلب .
ومن اطلع على هذه المعاني أمكنه أن يتعرف حال نفسه ، ويستوضح من قلبه ما هو الأفضل له ، بالإضافة إلى حاله ووقته فهذه وليكن العقد الذي به الاكتساب جامعا لأربعة أمور : الصحة ، والعدل ، والإحسان ، والشفقة على الدين . فضيلة الكسب
ونحن نعقد في كل واحد بابا ونبتدئ ، بذكر أسباب الصحة في الباب الثاني .