فإن قيل فينبغي أن يحل له الأخذ وينتقل الحق إلى ذمته ، فأي حاجة إلى الإخراج أولا ، ثم التصرف في الباقي قلنا : قال قائلون : يحل له أن يأخذ ما دام يبقى قدر الحرام ولا يجوز أن يأخذ الكل ، ولو أخذ لم يجز له ذلك وقال آخرون ليس له أن يأخذ ما لم يخرج قدر الحرام بالتوبة وقصد الإبدال وقال آخرون يجوز للآخذ في التصرف أن يأخذ منه ، وأما هو فلا يعطي ، فإن أعطى عصى هو دون الآخذ منه وما جوز أحد أخذ الكل ، وذلك لأن المالك لو ظهر فله أن يأخذ حقه من هذه الجملة إذ يقول : لعل المصروف إلي يقع عين حقي وبالتعيين وإخراج حق الغير وتمييزه يندفع هذا الاحتمال ، فهذا المال يترجح بهذا الاحتمال على غيره ، وما هو أقرب إلى الحق مقدم كما يقدم المثل على القيمة والعين على المثل فكذلك ، ما يحتمل فيه رجوع المثل مقدم على ما يحتمل فيه رجوع القيمة ، ولو جاز لهذا أن يقول ذلك لجاز لصاحب الدرهم الآخر أن يأخذ الدرهمين ويتصرف فيهما ويقول على : قضاء حقك من موضع آخر ، إذ الاختلاط من الجانبين وليس ملك أحدهما بأن يقدر فائتا بأولى من الآخر إلا أن ينظر إلى الأقل فيقدر أنه فائت فيه أو ينظر إلى الذي خلط فيجعل بفعله متلفا لحق غيره ، وكلاهما بعيدان جدا وهذا واضح في ذوات الأمثال فإنها تقع عوضا في الإتلافات من غير عقد فأما إذا اشتبه دار بدور أو عبد بعبيد فلا سبيل إلى المصالحة والتراضي فإن أبى أن يأخذ إلا عين حقه ولم يقدر عليه ، وأراد الآخر أن يعوق عليه جميع ملكه فإن كانت متماثلة القيم فالطريق أن يبيع القاضي جميع الدور ويوزع عليهم الثمن بقدر النسبة ، وإن كانت متفاوتة أخذ من طالب البيع قيمة أنفس الدور وصرف إلى الممتنع منه مقدار قيمة الأقل ويوقف قدر التفاوت إلى البيان ، أو الإصلاح لأنه مشكل وإن لم يوجد القاضي فللذي يريد الخلاص وفي يده الكل أن يتولى ذلك بنفسه هذه هي المصلحة وما عداها من الاحتمالات ضعيفة لا نختارها وفيما سبق تنبيه على العلة وهذا في الحنطة ظاهر وفي النقود دونه وفي العروض أغمض إذ لا يقع البعض بدلا عن البعض فذلك ، احتيج إلى البيع . وما يحتمل فيه رجوع العين يقدم على ما يحتمل فيه رجوع المثل