فهذه الأخبار والآثار تدل على ما في من الفتن وأنواع الفساد ، ولكن نفصل ذلك تفصيلا فقهيا نميز فيه المحظور عن المكروه والمباح . مخالطة السلاطين
فنقول : الداخل على السلطان متعرض لأن يعصي الله تعالى إما بفعله أو بسكوته ، وإما بقوله وإما باعتقاده فلا ينفك عن أحد هذه الأمور .
أما الفعل فالدخول عليهم في غالب الأحوال يكون إلى دور مغصوبة وتخطيها والدخول فيها بغير إذن الملاك حرام ولا يغرنك قول القائل إن ذلك مما يتسامح به الناس كتمرة أو فتات خبز ذلك صحيح في غير المغصوب أما ، المغصوب فلا ; لأنه إن قيل : إن كل جلسة خفيفة لا تنقص الملك ، فهي في محل التسامح ، وكذلك الاجتياز ، فيجري هذا في كل واحد ، فيجري أيضا في المجموع ، والغصب إنما تم بفعل الجميع ، وإنما يتسامح به إذا انفرد إذ لو علم المالك به ربما لم يكرهه فأما إذا كان ذلك طريقا إلى الاستغراق بالاشتراك فحكم التحريم ينسحب على الكل ، فلا يجوز أن يؤخذ ملك الرجل طريقا اعتمادا على أن كل واحد من المارين إنما يخطو خطوة لا تنقص الملك لأن ; المجموع مفتوت للملك ، وهو كضربة خفيفة في التعليم تباح ولكن بشرط الانفراد ، فلو اجتمع جماعة بضربات توجب القتل وجب القصاص على الجميع مع أن كل واحدة من الضربات لو انفردت لكانت لا توجب قصاصا .
فإن فرض كون الظالم في موضع غير مغصوب كالموات مثلا فإن كان تحت خيمة أو مظلة من ماله فهو حرام والدخول إليه غير جائز لأنه انتفاع بالحرام واستظلال به .
فإن فرض كل ذلك حلالا فلا يعصى بالدخول من حيث إنه دخول ولا بقوله : السلام عليكم ولكن إن سجد أو ركع أو مثل قائما في سلامه وخدمته كان مكرما للظالم بسبب ولايته التي هي آلة ظلمه ، . والتواضع للظالم معصية
بل ليس بظالم لأجل غناه لا لمعنى آخر اقتضى التواضع نقص ثلثا دينه فكيف إذا تواضع للظالم ، فلا يباح إلا مجرد السلام ، فأما تقبيل اليد والانحناء في الخدمة فهو معصية إلا عند الخوف أو الأمام العادل أو لعالم أو لمن يستحق ذلك بأمر ديني . من تواضع لغني
قبل رضي الله عنه يد علي كرم الله وجهه لما أن لقيه أبو عبيدة بن الجراح بالشام ، فلم ينكر عليه .
وقد بالغ بعض السلف حتى امتنع عن رد جوابهم في السلام والإعراض عنهم استحقارا لهم وعد ذلك من محاسن القربات .