بيان معنى الأخوة في الله وتمييزها من الأخوة في الدنيا .
اعلم أن الحب في الله والبغض في الله غامض وينكشف الغطاء عنه بما نذكره ، وهو أن الصحبة تنقسم إلى ما يقع بالاتفاق كالصحبة بسبب الجوار أو بسبب الاجتماع في المكتب أو في المدرسة أو في السوق أو على باب السلطان أو في الأسفار وإلى ما ينشأ اختيارا ويقصد وهو الذي نريد بيانه إذ الأخوة في الدين واقعة في هذا القسم لا محالة ، إذ لا ثواب إلا على الأفعال الاختيارية ولا ، ترغيب إلا فيها .
. والصحبة عبارة عن المجالسة والمجاورة
وهذه الأمور لا يقصد الإنسان بها غيره إلا إذا أحبه ، فإن غير المحبوب يجتنب ويباعد ولا تقصد مخالطته ، والذي يحب فإما أن يحب لذاته لا ليتوصل به إلى محبوب ومقصود وراءه ، وإما أن يحب للتوصل به إلى مقصود ، وذلك المقصود إما أن يكون مقصورا على الدنيا وحظوظها ، وإما أن يكون متعلقا بالآخرة ، وإما أن يكون متعلقا بالله تعالى ، فهذه أربعة أقسام .
أما ؛ القسم الأول وهو حبك فذلك ممكن ، وهو أن يكون في ذاته محبوبا عندك على معنى أنك تلتذ برؤيته ومعرفته ومشاهدة أخلاقه لاستحسانك له فإن كل جميل لذيذ في حق من أدرك جماله وكل لذيذ محبوب . الإنسان لذاته
واللذة تتبع الاستحسان والاستحسان يتبع المناسبة والملاءمة والموافقة بين الطباع ثم ذلك المستحسن إما أن يكون هو الصورة الظاهرة ، أعني حسن الخلقة وإما أن يكون هو الصورة الباطنة أعني كمال العقل وحسن الأخلاق لا محالة ويتبع كمال العقل غزارة العلم ، وكل ذلك مستحسن عند الطبع السليم والعقل المستقيم وكل مستحسن فمستلذ به ومحبوب ، بل في ائتلاف القلوب أمر أغمض من هذا فإنه قد تستحكم المودة بين شخصين من غير ملاحة في صورة ولا حسن في خلق وخلق ولكن لمناسبة توجب الألفة والموافقة ، فإن شبه الشيء ينجذب إليه بالطبع . ويتبع حسن الأخلاق حسن الأفعال