وفي الاحتجاج بهذه الأحاديث نظر فأما قوله لعبد الله بن عامر فلا يمكن تنزيله إلا على ما عرفه صلى الله عليه وسلم بنور النبوة من حاله وإن لزوم البيت كان أليق به وأسلم له من المخالطة فإنه لم يأمر جميع الصحابة بذلك ورب لا في المخالطة كما قد تكون سلامته في القعود في البيت وأن لا يخرج إلى الجهاد . شخص تكون سلامته في العزلة
وذلك لا يدل على أن ترك الجهاد أفضل .
وفي مخالطة الناس مجاهدة ومقاساة ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم .
وعلى هذا ينزل قوله صلى الله عليه وسلم رجل معتزل يعبد ربه ويدع الناس من شره فهذا إشارة إلى شرير بطبعه تتأذى الناس بمخالطته .
وقوله : إن الله يحب التقي الخفي إشارة إلى إيثار الخمول وتوقي الشهرة .
وذلك لا يتعلق بالعزلة فكم من راهب معتزل تعرفه كافة الناس وكم من مخالط خامل لا ذكر له ولا شهرة ، فهذا تعرض لأمر لا يتعلق بالعزلة .
واحتجوا بما روي أنه صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : ألا أنبئكم بخير الناس ? قالوا : بلى يا رسول الله : فأشار بيده نحو المغرب وقال : رجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ينتظر أن يغير أو : يغار عليه ألا أنبئكم بخير الناس بعده وأشار بيده نحو الحجاز وقال : رجل في غنمه يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعلم حق الله في ماله اعتزل شرور الناس .
فإذا ظهر أن هذه الأدلة لا شفاء فيها من الجانبين فلا بد من كشف الغطاء بالتصريح بفوائد العزلة وغوائلها ومقايسة بعضها بالبعض ليتبين الحق فيها .