احتجوا بقوله تعالى ومن الناس من يشتري لهو الحديث قال ابن مسعود والحسن البصري والنخعي رضي الله عنهم: إن لهو الحديث هو الغناء .
وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . إن الله تعالى حرم القينة وبيعها وثمنها وتعليمها
فنقول أما القينة فالمراد : بها الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب .
وقد ذكرنا أن حرام ، وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محظور فأما غناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث ، بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة . غناء الجارية لمالكها
بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت رضي الله عنها . عائشة
وأما . شراء لهو الحديث بالدين استبدالا به ليضل به عن سبيل الله
فهو حرام مذموم وليس النزاع فيه ، وليس كل غناء بدلا عن الدين مشترى به ومضلا عن سبيل الله تعالى ، وهو المراد في الآية .
ولو قرأ القرآن ليضل به عن سبيل الله لكان حراما .
حكى عن بعض المنافقين أنه كان يؤم الناس ، ولا يقرأ إلا سورة عبس لما فيها من العتاب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم عمر بقتله ورأى فعله حراما لما فيه من الإضلال .
فالإضلال بالشعر والغناء أولى بالتحريم. .
واحتجوا بقوله تعالى : أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون قال ابن عباس رضي الله عنهما هو الغناء بلغة حمير يعني السمد فنقول ينبغي أن يحرم الضحك وعدم البكاء أيضا لأن ; الآية تشتمل عليه .
فإن قيل : إن ذلك مخصوص بالضحك على المسلمين لإسلامهم ، فهذا أيضا مخصوص بأشعارهم وغنائهم في معرض الاستهزاء بالمسلمين كما قال تعالى : والشعراء يتبعهم الغاوون وأراد به شعراء الكفار .
ولم يدل ذلك على تحريم . نظم الشعر في نفسه
واحتجوا بما روي جابر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: كان إبليس أول من ناح وأول من تغنى .
فقد جمع بين النياحة والغناء قلنا لا جرم كما استثني منه نياحة داود عليه السلام ونياحة المذنبين على خطاياهم ، فكذلك يستثنى حيث يباح تحريكه بل ، كما استثني غناء الجاريتين يوم العيد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وغناؤهن عند قدومه صلى الله عليه وسلم بقولهن . الغناء الذي يراد به تحريك السرور والحزن والشوق
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
واحتجوا بما روى أبو أمامة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : . ما رفع أحد صوته بغناء إلا بعث الله له شيطانين على منكبيه يضربان بأعقابهما على صدره حتى يمسكقلنا هو منزل على بعض أنواع الغناء الذي قدمناه وهو الذي يحرك من القلب ما هو مراد الشيطان من الشهوة وعشق المخلوقين ، فأما ما يحرك الشوق إلى الله أو السرور بالعيد أو حدوث الولد أو قدوم الغائب فهذا كله يضاد مراد الشيطان .
بدليل قصة الجاريتين والحبشة والأخبار التي نقلناها من الصحاح فالتجويز في موضع واحد نص في الإباحة ، والمنع في ألف موضع محتمل للتأويل ومحتمل للتنزيل .
أما الفعل فلا تأويل له إذ ما حرم فعله إنما يحل بعارض الإكراه فقط ، وما أبيح فعله يحرم بعوارض كثيرة حتى النيات والقصود .
واحتجوا بما روي عقبة بن عامر
قلنا : فقوله : باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة وقد يسلم ذلك . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كل شيء يلهو به الرجل فهو باطل إلا تأديبه فرسه ورميه بقوسه وملاعبته لامرأته .
على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة خارج عن هذه الثلاثة وليس بحرام بل يلحق بالمحصور غير المحصور قياسا كقوله صلى الله عليه وسلم : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث .
فإنه يلحق به رابع وخامس .