واحتجوا بقول عثمان رضي الله عنه ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني مذ بايعت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلنا فليكن التمني ومس الذكر باليمنى حراما إن كان هذا دليل تحريم الغناء فمن أين يثبت أن عثمان رضي الله عنه كان لا يترك إلا الحرام .
واحتجوا بقول ابن مسعود رضي الله عنه : وزاد بعضهم : كما ينبت الماء البقل ورفعه بعضهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غير صحيح . الغناء ينبت في القلب النفاق
قالوا ومر على ابن عمر رضي الله عنهما قوم محرمون وفيهم رجل يتغنى ، فقال : ألا لا أسمع الله لكم ألا لا أسمع الله لكم .
وعن نافع أنه قال : كنت مع رضي الله عنهما في طريق فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه ثم عدل عن الطريق فلم يزل يقول : يا ابن عمر نافع أتسمع ذلك حتى قلت : لا فأخرج أصبعيه وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع وقال رحمه الله الغناء رقية الزنا . الفضيل بن عياض
وقال بعضهم : الغناء رائد من رواد الفجور .
وقال يزيد بن الوليد إياكم والغناء فإنه ينقص الحياء ويزيد الشهوة ويهدم المروءة وإنه لينوب عن الخمر ويفعل ما يفعله السكر ، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء فإن الغناء داعية الزنا .
فنقول قول رضي الله عنه ينبت النفاق أراد به في حق المغني فإنه في حقه ينبت النفاق إذ غرضه كله أن يعرض نفسه على غيره ويروج صوته عليه ولا يزال ينافق ويتودد إلى الناس ليرغبوا في غنائه وذلك أيضا لا يوجب تحريما . ابن مسعود
فإن لبس الثياب الجميلة وركوب الخيل المهملجة وسائر أنواع الزينة والتفاخر بالحرث والأنعام والزرع وغير ذلك ينبت في القلب النفاق والرياء ولا يطلق القول بتحريم ذلك كله .
فليس السبب في ظهور النفاق في القلب المعاصي فقط بل المباحات التي هي مواقع نظر الخلق أكثر تأثيرا .
ولذلك نزل رضي الله عنه عن فرس هملج تحته وقطع ذنبه ; لأنه استشعر في نفسه الخيلاء لحسن مطيته . عمر
فهذا النفاق من المباحات .
وأما قول رضي الله عنهما ألا لا أسمع الله لكم . ابن عمر
فلا يدل على التحريم من حيث إنه غناء بل كانوا محرمين ولا يليق بهم الرفث وظهر له من مخايلهم أن سماعهم لم يكن لوجد وشوق إلى زيارة بيت الله تعالى بل لمجرد اللهو فأنكر ذلك عليهم لكونه منكرا بالإضافة إلى حالهم وحال الإحرام .
وحكايات الأحوال تكثر فيها وجوه الاحتمال .
وأما وضعه أصبعيه في أذنيه فيعارضه أنه لم يأمر نافعا بذلك ولا أنكر عليه سماعه وإنما فعل ذلك هو ; لأنه رأى أن ينزه سمعه في الحال وقلبه عن صوت ربما يحرك اللهو ويمنعه عن فكر كان فيه أو ذكر هو أولى منه .
وكذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يمنع لا يدل أيضا على التحريم بل يدل على أن الأولى تركه . ابن عمر
ونحن نرى أن الأولى تركه في أكثر الأحوال بل أكثر مباحات الدنيا الأولى تركها إذا علم أن ذلك يؤثر في القلب .
فقد خلع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الصلاة ثوب أبي جهم إذ كانت عليه أعلام شغلت قلبه .
أفترى أن ذلك يدل على تحريم الأعلام على الثوب فلعله صلى الله عليه وسلم كان في حالة كان صوت زمارة الراعي يشغله عن تلك الحالة كما شغله العلم عن الصلاة .
بل الحاجة إلى استثارة الأحوال الشريفة من القلب بحيلة السماع قصور بالإضافة إلى من هو دائم الشهود للحق ، وإن كان كمالا بالإضافة إلى غيره .
ولذلك قال الحصري ماذا أعمل بسماع ينقطع إذا مات من يسمع منه؛ إشارة إلى أن السماع من الله تعالى هو الدائم .
فالأنبياء عليهم السلام على الدوام في لذة السمع والشهود فلا يحتاجون إلى التحريك بالحيلة .
وأما قول هو رقية الزنا . الفضيل :
وكذلك ، ما عداه من الأقاويل القريبة منه .
فهو منزل على سماع الفساق والمغتلمين من الشبان .
ولو كان ذلك عاما لما سمع من الجاريتين في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .