الوجه السادس :
أن المغني فليس ، كل كلام موافقا لكل حال . قد يغني ببيت لا يوافق حال السامع فيكرهه وينهاه عنه ، ويستدعي غيره
فلو اجتمعوا في الدعوات على القارئ فربما يقرأ آية لا توافق حالهم إذ القرآن شفاء للناس كلهم على اختلاف الأحوال فآيات الرحمة شفاء الخائف وآيات العذاب شفاء المغرور الآمن .
وتفصيل ذلك مما يطول .
فإذا لا يؤمن أن لا يوافق المقروء الحال ، وتكرهه النفس فيتعرض به لخطر ، كراهة كلام الله تعالى من حيث لا يجد سبيلا إلى دفعه .
فالاحتراز عن خطر ذلك حزم بالغ وحتم واجب؛ إذ لا يجد الخلاص عنه إلا بتنزيله على وفق حاله . ولا يجوز تنزيل كلام الله تعالى إلا على ما أراد الله تعالى
وأما قول الشاعر فيجوز : تنزيله على غير مراده ففيه خطر الكراهة أو خطر التأويل الخطأ لموافقة الحال فيجب توقير كلام الله وصيانته عن ذلك وهذا ما ينقدح في علل انصراف الشيوخ إلى سماع الغناء عن سماع القرآن .
وههنا وجه سابع ذكره أبو نصر السراج الطوسي في الاعتذار عن ذلك ، فقال : القرآن كلام الله وصفة من .
صفاته وهو حق لا تطيقه البشرية ; لأنه غير مخلوق فلا تطيقه الصفات المخلوقة .
ولو كشف للقلوب ذرة من معناه وهيبته لتصدعت ودهشت وتحيرت .
والألحان الطيبة مناسبة للطباع ونسبتها نسبة الحظوظ لا نسبة الحقوق ، والشعر نسبته نسبة الحظوظ .
فإذا علقت الألحان والأصوات بما في الأبيات من الإشارات واللطائف شاكل بعضها بعضا كان ، أقرب إلى الحظوظ وأخف على القلوب لمشاكلة المخلوق المخلوق .
، فما دامت البشرية باقية ونحن بصفاتنا وحظوظنا نتنعم بالنغمات الشجية والأصوات الطيبة فانبساطنا لمشاهدة بقاء هذه الحظوظ إلى القصائد أولى من انبساطنا إلى كلام الله تعالى الذي هو صفته وكلامه الذي منه بدأ وإليه يعود .
وهذا ، حاصل المقصود من كلامه واعتذاره .