وها نحن نشرح علمه في أربعة أبواب: .
الباب الأول: في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضيلته .
الباب الثاني: في أركانه وشروطه .
الباب الثالث: في مجاريه وبيان المنكرات المألوفة في العادات .
الباب الرابع: في أمر الأمراء والسلاطين بالمعروف ونهيهم عن المنكر الباب الأول في وجوب والمذمة في إهماله وإضاعته ويدل على ذلك بعد إجماع الأمة عليه وإشارات العقول السليمة إليه الآيات والأخبار والآثار . الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفضيلته
أما الآيات فقوله تعالى : ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ففي الآية بيان الإيجاب فإن قوله تعالى : ولتكن ، أمر وظاهر الأمر الإيجاب، وفيها بيان أن الفلاح منوط به؛ إذ حصر ، وقال : وأولئك هم المفلحون وفيها بيان أنه فرض كفاية لا فرض عين ، وأنه إذا قام به أمة سقط الفرض عن الآخرين إذ لم يقل : كونوا كلكم آمرين بالمعروف ، بل قال : ولتكن منكم أمة فإذا مهما قام به واحد أو جماعة سقط الحرج عن الآخرين ، واختص الفلاح بالقائمين به ، المباشرين وإن تقاعد عنه الخلق أجمعون عم الحرج كافة القادرين عليه لا محالة وقال تعالى: ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين ، فلم يشهد لهم بالصلاح بمجرد الإيمان بالله واليوم الآخر حتى أضاف إليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقال تعالى : والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ، فقد نعت المؤمنين بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين المنعوتين في هذه الآية ، وقال تعالى : لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ، وهذا غاية التشديد إذ علق استحقاقهم للعنة بتركهم النهي عن المنكر .
وقال عز وجل كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، وهذا يدل على فضيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ بين أنهم كانوا به خير أمة أخرجت للناس ، وقال تعالى : فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون فبين أنهم استفادوا النجاة بالنهي عن السوء ويدل ذلك على الوجوب أيضا ، وقال تعالى : الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، فقرن ذلك بالصلاة والزكاة في نعت الصالحين والمؤمنين ، وقال تعالى : وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ، وهو أمر جزم ، ومعنى التعاون الحث عليه وتسهيل طرق الخير وسد سبل الشر والعدوان بحسب الإمكان وقال تعالى : لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون فبين أنهم أثموا بترك النهي وقال تعالى : فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض الآية ، فبين أنه أهلك جميعهم إلا قليلا منهم ، كانوا ينهون عن الفساد وقال تعالى : يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ، وذلك هو الأمر بالمعروف للوالدين والأقربين ، وقال تعالى : لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما .
وقال تعالى : وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما الآية .
والإصلاح نهي عن البغي وإعادة إلى الطاعة فإن لم يفعل فقد أمر الله تعالى بقتاله ، فقال : فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ، وذلك هو النهي عن المنكر .