بيان ، وما هو المراد بهذه الأسامي . معنى النفس والروح والقلب ، والعقل
اعلم أن هذه الأسماء الأربعة تستعمل في هذه الأبواب ويقل في فحول العلماء من يحيط بهذه الأسامي واختلاف معانيها وحدودها ومسمياتها وأكثر الأغاليط منشؤها الجهل بمعنى هذه الأسامي واشتراكها بين مسميات مختلفة ، ونحن نشرح في معنى هذه الأسامي ما يتعلق بغرضنا اللفظ الأول لفظ القلب : وهو يطلق لمعنيين .
أحدهما : اللحم الصنوبري الشكل المودع في الجانب الأيسر من الصدر ، وهو لحم مخصوص ، وفي باطنه تجويف ، وفي ذلك التجويف دم أسود هو منبع الروح ومعدنه ولسنا نقصد الآن شرح شكله وكيفيته إذ يتعلق به غرض الأطباء ولا يتعلق ، به الأغراض الدينية ، وهذا القلب موجود للبهائم ، بل هو موجود للميت ، ونحن إذا أطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب لم نعن به ذلك فإنه قطعة لحم لا قدر له ، وهو من عالم الملك والشهادة إذ تدركه البهائم بحاسة البصر ، فضلا عن الآدميين .
والمعنى الثاني هو لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسماني تعلق وتلك اللطيفة هي حقيقة الإنسان وهو المدرك العالم العارف من الإنسان ، وهو المخاطب والمعاقب والمعاتب والمطالب ولها علاقة مع القلب الجسماني ، وقد تحيرت عقول أكثر الخلق في إدراك وجه علاقته فإن تعلقه ، به يضاهي تعلق الأعراض بالأجسام والأوصاف بالموصوفات ، أو تعلق المستعمل للآلة بالآلة أو تعلق المتمكن بالمكان وشرح ذلك مما نتوقاه لمعنيين: أحدهما : أنه متعلق بعلوم المكاشفة وليس غرضنا من هذا الكتاب إلا علوم المعاملة .
والثاني : أن تحقيقه يستدعي إفشاء سر الروح وذلك مما لم ، يتكلم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس لغيره أن يتكلم فيه والمقصود أنا إذا أطلقنا لفظ القلب في هذا الكتاب أردنا به هذه اللطيفة وغرضنا ذكر أوصافها وأحوالها ، لا ذكر حقيقتها في ذاتها ، وعلم المعاملة يفتقر إلى معرفة صفاتها وأحوالها ولا يفتقر إلى ذكر حقيقتها .
اللفظ الثاني : الروح وهو أيضا يطلق فيما يتعلق بجنس غرضنا لمعنيين: أحدهما : جسم لطيف منبعه تجويف القلب الجمساني فينشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن وجريانه في البدن وفيضان أنوار الحياة والحس والبصر والسمع والشم منها على أعضائها يضاهي فيضان النور من السراج الذي يدار في زوايا البيت فإنه لا ينتهي إلى جزء من البيت إلا ويستنير به والحياة ، مثالها النور الحاصل في الحيطان . والروح مثالها السراج ، وسريان الروح وحركته في الباطن مثال حركة السراج في جوانب البيت بتحريك محركه ، والأطباء إذا أطلقوا لفظ الروح أرادوا به هذا المعنى وهو بخار لطيف أنضجته حرارة القلب وليس شرحه من غرضنا إذ المتعلق به غرض الأطباء الذين يعالجون الأبدان فأما غرض أطباء الدين المعالجين للقلب حتى ينساق إلى جوار رب العالمين فليس يتعلق بشرح هذه الروح أصلا .
المعنى الثاني هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان وهو الذي شرحناه في أحد معاني القلب وهو الذي أراده الله تعالى بقوله : قل الروح من أمر ربي وهو أمر عجيب رباني تعجز أكثر العقول والأفهام عن درك حقيقته .