اللفظ الرابع : العقل وهو أيضا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها في كتاب العلم ، والمتعلق بغرضنا من جملتها معنيان: أحدهما : أنه قد يطلق ويراد به العلم بحقائق الأمور فيكون عبارة عن صفة العلم الذي محله القلب .
والثاني : أنه قد يطلق ويراد به المدرك للعلوم فيكون هو القلب أعني تلك اللطيفة .
ونحن نعلم أن كل عالم فله في نفسه وجود هو أصل قائم بنفسه ، والعلم صفة حالة فيه ، والصفة غير الموصوف ، والعقل قد يطلق ويراد به صفة العالم ، وقد يطلق ويراد به محل الإدراك ، أعني : المدرك وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : " . أول ما خلق الله العقل
" فإن العلم عرض لا يتصور أن يكون أول مخلوق ، بل لا بد وأن يكون المحل مخلوقا قبله أو معه ، ولأنه لا يمكن الخطاب معه .
وفي الخبر أنه قال له تعالى : " الحديث فإذن قد انكشف لك أن معاني هذه الأسماء موجودة وهي القلب الجسماني والروح الجسماني والنفس الشهوانية والعلوم فهذه . أربعة معان يطلق عليها الألفاظ الأربعة، ومعنى خامس، وهي اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان ، والألفاظ الأربعة بجملتها تتوارد عليها فالمعاني خمسة والألفاظ أربعة وكل لفظ أطلق لمعنيين . أقبل فأقبل ثم قال ، له : أدبر فأدبر "
وأكثر العلماء قد التبس عليهم اختلاف هذه الألفاظ وتواردها ، فتراهم يتكلمون في الخواطر ويقولون : هذا خاطر العقل ، وهذا خاطر الروح ، وهذا خاطر القلب ، وهذا خاطر النفس ، وليس يدري الناظر اختلاف معاني هذه الأسماء ولأجل كشف الغطاء عن ذلك قدمنا شرح هذه الأسامي وحيث ورد في القرآن والسنة المعنى الذي يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء ، وقد يكنى عنه بالقلب الذي في الصدر ؛ لأن بين تلك اللطيفة وبين جسم القلب علاقة خاصة فإنها وإن كانت متعلقة بسائر البدن ومستعملة له ولكنها تتعلق به بواسطة القلب فتعلقها الأول بالقلب وكأنه محلها ومملكتها وعالمها ومطيتها ولذلك شبه سهل التستري القلب بالعرش والصدر بالكرسي فقال : القلب هو العرش والصدر هو الكرسي ولا يظن به أنه يرى أنه عرش الله وكرسيه فإن ذلك محال ، بل أراد به أنه مملكته والمجرى الأول لتدبيره وتصرفه فهما بالنسبة إليه كالعرش والكرسي بالنسبة إلى الله تعالى ، ولا يستقيم هذا التشبيه أيضا إلا من بعض الوجوه وشرح ذلك أيضا لا يليق بغرضنا فلنجاوزه . لفظ القلب ، فالمراد به