ومراقي هذه الدرجات هي ولا حصر لتلك المنازل وإنما يعرف كل سالك منزله الذي بلغه في سلوكه فيعرفه ويعرف ما خلفه من المنازل فأما ما بين يديه فلا يحيط بحقيقته علما لكن قد يصدق به إيمانا بالغيب كما أنا نؤمن بالنبوة والنبي ونصدق بوجوده ، ولكن لا يعرف حقيقة النبوة إلا النبي وكما لا يعرف الجنين حال الطفل ولا الطفل حال المميز ، وما يفتح له من العلوم الضرورية ولا المميز حال العاقل وما اكتسبه من العلوم النظرية فكذلك لا ، يعرف العاقل ما افتتح الله على أوليائه وأنبيائه من مزايا لطفه ورحمته منازل السائرين إلى الله تعالى ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وهذه الرحمة مبذولة بحكم الجود والكرم من الله سبحانه وتعالى غير مضنون بها على أحد ولكن إنما تظهر في القلوب المتعرضة لنفحات رحمة الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم : إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها والتعرض لها بتطهير القلب وتزكيته عن الخبث والكدورة الحاصلة من الأخلاق المذمومة كما سيأتي بيانه، وإلى هذا الجود الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: وبقوله عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه عز وجل : " ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: هل من داع فأستجيب له" لقد طال شوق الأبرار إلى لقائي ، وأنا إلى لقائهم أشد شوقا وبقوله ذلك إشارة إلى أن أنوار العلوم لم تحتجب عن القلوب لبخل ومنع من جهة المنعم تعالى عن البخل والمنع علوا كبيرا ، ولكن بخبث وكدورة وشغل من جهة القلوب ، فإن القلوب كالأواني ، فما دامت ممتلئة بالماء لا يدخلها الهواء، فالقلوب المشغولة بغير الله لا تدخلها المعرفة بجلال الله وإليه الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: " من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعاكل لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء" ومن هذه الجملة يتبين أن خاصية الإنسان العلم والحكمة .