وأما ولا يزال يتراكم عليه مرة بعد أخرى إلى أن يسود ويظلم ويصير بالكلية محجوبا عن الله تعالى ، وهو الطبع وهو الرين ، قال الله تعالى : الآثار المذمومة فإنها مثل دخان مظلم يتصاعد إلى مرآة القلب كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقال عز وجل أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون فربط عدم السماع بالطبع بالذنوب كما ربط السماع بالتقوى فقال تعالى واتقوا الله واسمعوا واتقوا الله ويعلمكم الله .
، وعند ذلك يعمى القلب عن إدراك الحق وصلاح الدين ويستهين بأمر الآخرة ، ويستعظم أمر الدنيا ، ويصير مقصور الهم عليها فإذا ، قرع سمعه أمر الآخرة وما فيها من الأخطار دخل من أذن وخرج من أذن ولم يستقر في القلب ولم يحركه إلى التوبة والتدارك ، أولئك الذين ومهما تراكمت الذنوب طبع على القلوب يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور وهذا هو معنى اسوداد القلب بالذنوب كما نطق به القرآن والسنة .
قال ميمون بن مهران إذا أذنب العبد ذنبا نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا هو نزع وتاب صقل وإن عاد زيد فيها حتى يعلو قلبه فهو الران وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : قلب المؤمن أجرد فيه سراج يزهر ، وقلب الكافر أسود منكوس ، فمن أقبل على المعاصي اسود قلبه ومن أتبع السيئة الحسنة ومحا أثرها لم يظلم قلبه ، ولكن ينقص نوره فهو كالمرآة التي يتنفس فيها ، ثم تمسح ويتنفس، ثم تمسح، فإنها لا تخلو عن كدورة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : فطاعة الله تعالى بمخالفة الشهوات مصقلات للقلب ، ومعاصيه مسودات له ، وفي رواية: ذهبت به . القلوب أربعة : قلب أجرد فيه سراج يزهر فذلك قلب المؤمن ، وقلب أسود منكوس، فذلك قلب الكافر ، وقلب أغلف مربوط على غلافه، فذلك قلب المنافق ، وقلب مصفح فيه إيمان ونفاق، فمثل الإيمان فيه كمثل البقلة يمدها الماء الطيب، ومثل النفاق فيه كمثل القرحة يمدها القيح والصديد ، فأي المادتين غلبت عليه حكم له بها
قال الله تعالى : إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون فأخبر أن جلاء القلب وإبصاره يحصل بالذكر وأنه لا يتمكن منه إلا الذين اتقوا .
فالتقوى باب الذكر ، والذكر باب الكشف ، والكشف باب الفوز الأكبر ، وهو الفوز بلقاء الله تعالى .