فأما إذا بسبب أو غفلة ، فكيف تكتب له حسنة وقد قال -صلى الله عليه وسلم- : عزم على فاحشة فتعذرت عليه ونحن نعلم أن من عزم ليلا على أن يصبح ليقتل مسلما أو يزني بامرأة ، فمات تلك الليلة مات مصرا ويحشر على نيته وقد ، هم بسيئة ولم يعملها . إنما يحشر الناس على نياتهم
والدليل القاطع فيه ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم أنه قال : وهذا نص في أنه صار من أهل النار ، بمجرد الإرادة مع أنه قتل مظلوما فكيف يظن أن الله لا يؤاخذ بالنية والهم ، بل كل هم دخل تحت اختيار العبد فهو مؤاخذ به إلا أن يكفره بحسنة ، ونقض العزم بالندم حسنة فلذلك كتبت له حسنة ، فأما فوت المراد بعائق فليس بحسنة ، وأما إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، فقيل : يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟!! قال لأنه أراد قتل صاحبه، فكل ذلك لا يدخل تحت اختيار ، فالمؤاخذة به تكليف ما لا يطاق ، ولذلك لما نزل قوله تعالى الخواطر وحديث النفس وهيجان الرغبة وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله جاء ناس من الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : كلفنا ما لا نطيق أن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه ، ثم يحاسب بذلك ، فقال -صلى الله عليه وسلم- : لعلكم تقولون كما قالت اليهود سمعنا وعصينا قولوا: سمعنا وأطعنا فأنزل الله الفرج بعد سنة بقوله : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فظهر به أن كل ما لا يدخل تحت الوسع من أعمال القلب هو الذي لا يؤاخذ به ، فهذا هو كشف الغطاء عن هذا الالتباس ، وكل من يظن أن كل ما يجري على القلب يسمى حديث النفس ولم يفرق بين هذه الأقسام الثلاثة فلا بد وأن يغلط وكيف لا يؤاخذ بأعمال القلب من الكبر والعجب والرياء والنفاق والحسد وجملة الخبائث من أعمال القلب بل السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا أي ما يدخل تحت الاختيار ، فلو وقع البصر بغير اختيار على غير ذي محرم لم يؤاخذ به فإن أتبعها نظرة ثانية كان مؤاخذا به ؛ لأنه مختار فكذا خواطر القلب تجري هذا المجرى ، بل القلب أولى بمؤاخذته ؛ لأنه الأصل ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - : وقال الله تعالى : التقوى ههنا ، وأشار إلى القلب لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم ، وقال صلى الله عليه وسلم الإثم حواز القلوب وقال وإن أفتوك وأفتوك حتى إنا نقول : إذا حكم القلب المفتي بإيجاب شيء ، وكان مخطئا فيه صار مثابا عليه بل من قد ظن أنه تطهر فعليه أن يصلي فإن صلى ، ثم تذكر أنه لم يتوضأ كان له ثواب بفعله فإن ، تذكر ثم تركه كان معاقبا عليه ، ومن وجد على فراشه امرأة فظن أنها زوجته لم يعص بوطئها ، وإن كانت أجنبية فإن ، ظن أنها أجنبية ثم وطئها عصى بوطئها وإن كانت زوجته وكل ذلك نظر ، إلى القلب دون الجوارح . البر ما اطمأن إليه القلب