وكان سهل بن عبد الله التستري يطوي نيفا وعشرين يوما لا يأكل وكان يكفيه لطعامه في السنة درهم وكان يعظم الجوع ، ويبالغ فيه ، حتى قال : لا يوافي القيامة عمل بر أفضل من ترك فضول الطعام ؛ اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في أكله وقال لم ير الأكياس شيئا أنفع من الجوع للدين والدنيا ، وقال لا أعلم شيئا أضر على طلاب الآخرة من الأكل وقال وقال ما عبد الله بشيء أفضل من مخالفة الهوى في ترك الحلال ، وقد جاء في الحديث ثلث للطعام فمن زاد عليه فإنما يأكل من حسناته ، وسئل عن الزيادة فقال : لا يجد الزيادة حتى يكون الترك أحب إليه من الأكل ، ويكون إذا جاع ليلة سأل الله أن يجعلها ليلتين ، فإذا كان ذلك وجد الزيادة ، وقال صار الأبدال أبدالا إلا بإخماص البطون والسهر ، والصمت ، والخلوة وقال رأس كل بر نزل من السماء إلى الأرض الجوع ، ورأس كل فجور بينهما الشبع ، وقال من جوع نفسه انقطعت عنه الوساوس وقال إقبال الله عز وجل على العبد بالجوع والسقم والبلاء إلا من شاء الله وقال اعلموا أن هذا زمان لا ينال أحد فيه النجاة إلا بذبح نفسه وقتلها بالجوع والسهر والجهد وقال ما مر على وجه الأرض أحد شرب من هذا الماء حتى روي فسلم من المعصية ، وإن شكر الله تعالى ، فكيف الشبع من الطعام وسئل حكيم بأي قيد أقيد نفسي ؟ قال : قيدها بالجوع والعطش ، وذللها بإخمال الذكر وترك العز ، وصغرها بوضعها تحت أرجل أبناء الآخرة ، واكسرها بترك زي القراء عن ظاهرها وانج من آفاتها بدوام سوء الظن بها ، واصحبها بخلاف هواها وكان عبد الواحد بن زيد يقسم بالله تعالى إن الله تعالى ما صافى أحدا إلا بالجوع ، ولا مشوا على الماء إلا به ، ولا طويت لهم الأرض إلا بالجوع ، ولا تولاهم الله تعالى إلا بالجوع وقال وضعت الحكمة والعلم في الجوع ، ووضعت المعصية والجهل في الشبع مثل البطن مثل المزهر وهو العود المجوف ذو الأوتار ، إنما حسن صوته لخفته ورقته لأنه ; أجوف غير ممتلئ وكذلك الجوف إذا خلا كان أعذب للتلاوة ، وأدوم للقيام ، وأقل للمنام ، وقال أبو بكر بن عبد الله المزني ثلاثة يحبهم الله تعالى : رجل قليل النوم ، قليل الأكل ، قليل الراحة . أبو طالب المكي
وروي أن عيسى عليه السلام مكث يناجي ربه ستين صباحا لم يأكل فخطر بباله الخبز فانقطع ، عن المناجاة ، فإذا رغيف موضوع بين يديه ، فجلس يبكي على فقد المناجاة ، وإذا شيخ قد أظله فقال له عيسى بارك الله فيك : يا ولي الله ، ادع الله تعالى ؛ فإني كنت في حالة فخطر ببالي الخبز ، فانقطعت عني فقال الشيخ : اللهم إن كنت تعلم أن الخبز خطر ببالي منذ عرفتك فلا تغفر لي بل كان إذا حضر لي شيء أكلته من غير فكر وخاطر . وروي أن موسى عليه السلام لما قربه الله عز وجل نجيا كان قد ترك الأكل أربعين يوما ثلاثين ثم عشرا على ما ورد به القرآن لأنه أمسك بغير تبييت يوما فزيد عشرة لأجل ذلك .
.