والغفلة عن الله تعالى ، فلا تنكسر النفس ، ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع فعنده تسكن لربها ، وتخشع له ، وتقف على عجزها وذلها إذا ضعفت منتها وضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها ، وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء تأخرت عنها ، وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه ، لا يرى عزة مولاه ولا قهره وإنما سعادته في أن يكون دائما مشاهدا نفسه بعين الذل والعجز ومولاه بعين العز والقدرة والقهر فليكن دائما جائعا مضطرا إلى مولاه ، مشاهدا للاضطرار بالذوق ولأجل ذلك الفائدة الثالثة : الانكسار والذل ، وزوال البطر ، والفرح ، والأشر الذي هو مبدأ الطغيان لما عرضت الدنيا وخزائنها على النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا ، بل أجوع يوما وأشبع يوما ، فإذا جعت صبرت وتضرعت ، وإذا شبعت شكرت " ، أو كما قال .
فالبطن والفرج باب من أبواب النار ، وأصله الشبع والذل ، والانكسار باب من أبواب الجنة ، وأصله الجوع ، ومن أغلق بابا من أبواب النار ، فقد فتح بابا من أبواب الجنة بالضرورة ; لأنهما متقابلان ، كالمشرق والمغرب ، فالقرب من أحدهما بعد من الآخر .